Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر February 17, 2017
A A A
آخر الدواء: تمديد ستة أشهر؟
الكاتب: طارق ترشيشي - الجمهورية

الرباعيات استُبدلت بثنائيات، والنتيجة واحدة حتى الآن: لا قانون انتخاب جديد بعد. وبعد أيام تدخل البلاد في زمن «المهل القاتلة» التي يحذّر منها كثيرون. فهل هي «قاتلة» فعلاً؟ وماذا بعد؟

لم يعد هناك بحثٌ في مشاريع مختلطة، يقول معنيون بالملف الانتخابي، ولكن البعض ما زال يتحدث عن هذه المشاريع، ومنهم مَن عاد إلى الحديث عن مشروع مختلط يناصِف بين النظامين الاكثري والنسبي (64×64)، ولكن لم يعرف بعد ما إذا كان المقصود هو ذلك الذي طرَحه رئيس مجلس النواب نبيه بري أم انّه المشروع الذي تحدّث عنه أمس تكتّل «التغيير والاصلاح» في اجتماعه الاسبوعي؟.

والحقيقة، يضيف هؤلاء المعنيون، انّ البحث الجدي الجاري بعيداً من الاضواء في الاجتماعات الثنائية المنبثقة من اللجنة الرباعية يتركّز على مشروعين: الاول مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي القاضي باعتماد النسبية على اساس تقسيم لبنان الى 13 دائرة انتخابية.

والثاني المشروع الذي يعتمد التأهيل في الاقضية على اساس النظام الاكثري والانتخاب في المحافظات على اساس النظام النسبي، فإذا لم يتم الاتفاق على احد هذين المشروعين، فلن يكون سهلاً إجراء الانتخابات على اساس قانون الستّين النافذ.

الموعد المحدد لصدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الى انتخاب المجلس النيابي الجديد، هو 21 شباط الجاري، ولكن حتى الآن لا مؤشرات على صدوره في هذا الموعد، خصوصاً إذا ظلّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على موقفه الرافض توقيعَ هذا المرسوم، علماً انّ البعض يقول إنّ مثلَ هذا المرسوم ينبغي صدوره عن مجلس الوزراء وليس عن وزير الداخلية منفرداً فقط. وبعد أيام سيسافر رئيس مجلس النواب نبيه بري الى طهران، ليعود منها أواخر الاسبوع المقبل، ما يعني انّ موعد دعوة الهيئات الناخبة سيمرّ في غيابه.

وأكثر من ذلك، يقول المعنيون بالملف الانتخابي، إنّه حتى ولو صَدر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، فإنّ ذلك لا يضمن أنّ الانتخابات ستُجرى في مواعيدها بموجب قانون الستين في حال لم يتمّ إقرار قانون جديد، ويؤكّد هؤلاء أنّ هناك استحالة في إمرار الانتخابات بموجب «الستين» حتى ولو تسبّبَ الأمر بفراغ نيابي قال رئيس الجمهورية قبل اسابيع إنه يفضّله على الانتخابات إذا كانت ستُجرى وفق القانون النافذ، أي «الستين».

البعض يقول إنّ موعد 21 الجاري المحدد لإصدار مرسوم الهيئات الناخبة «ليس قاتلاً»، لأنّ ولاية مجلس النواب الحالي الممدّدة تنتهي في 21 حزيران وليس في 21 أيار الموعد المحدد لإجراء الانتخابات، ما يعني انّ الاستحقاق النيابي يدخل في مهلة التسعين يوماً لإنجازه قبل انتهاء الولاية النيابية في 21 آذار المقبل، وأنّ تقريب الموعد الى 21 الجاري إنما أُريدَ منه تلافي إجراء الانتخابات في شهر رمضان الذي يحلّ في حزيران.

ولذلك، يقول المعنيون بالملف الانتخابي، إنّ الوقت لم يفُت بعد على إمكان الاتفاق على قانون جديد قبل 21 آذار المقبل، وإذا تأخّر عن هذا الموعد، يمكن عندئذٍ أن يلحظ القانون العتيد تمديداً تقنياً محدّداً لولاية المجلس، لا يشكّل إحراجاً لا لرئيس الجمهورية المتعهّد في خطاب القسم إجراءَ الانتخابات على اساس قانون جديد، ولا لأيّ جهة معنية بالاستحقاق النيابي.

وفي حال شارفَت ولاية المجلس الممدّدة على الانتهاء في 21 حزيران المقبل ولم يتمّ إقرار قانون الانتخاب العتيد، فإنّ الفراغ النيابي لن يحصل، وسيكون «آخر الدواء» إجتماع المجلس الذي هو «سيّد نفسه» قبَيل انتهاء ولايته ويمدّدها تقنياً لفترة ستة أشهر يلتزم بأن يقرّ خلالها قانوناً انتخابياً جديداً متضمّناً في متنه موعدَ إجراء الانتخابات.

وحتى الآن تدلّ كلّ المؤشرات الى أنّ الاستحقاق النيابي سيصل الى تمديد تقني للمجلس الحالي، لأنّ طبيعة المواقف المعلن منها والمضمر، تشير الى استحالة الاتفاق على صيغة محددة للقانون الانتخابي في موعد قريب، ففيما فريق ينعى مشاريع القوانين الانتخابية المختلطة بين النظامين الاكثري والنسبي ويتحدّث عن مشاريع تعتمد النسبية الكاملة، ينبري فريق آخر مدافعاً عن «المختلطة» ومرجّحاً اعتماد أحدها، فيما الحقيقة هي انّ نيّات البعض ليست جدّية لاستبدال قانون الستين بآخر، بل إنّ هذا البعض ما زال يعمل لفرضِه أمراً واقعاً لأنه ما زال يجد فيه ما يخدم مصالحه الانتخابية.

ومنذ انطلاق مهمة اللجنة الرباعية، التي انفرَط عقدها لتتحوّلَ «لجاناً ثنائية» إذا جاز التعبير، وتعقد إجتماعات هنا وهناك بين الأفرقاء المعنيين، ما إن يشاع انّ تفاهماً حصَل على صيغة معينة حتى يُشاع في المقابل انّ هذه الصيغة سَقطت وأنّ البحث انتقل الى صيغة أُخرى، ولكن حتى الآن لم يحصل ايّ اتفاق بعد.

ويقال إنّ الأفكار التي أودعها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري حرّكت ركود البحث في الملف الانتخابي، ولكن لا يمكن الجزم في انّها ستساعد على إنجاز القانون المنشود، وإن كان البعض لمَّح الى انّها تدعم فكرة قانون المناصفة بين النظامين الاكثري والنسبي.

والملاحَظ على «المسرح الانتخابي» انّ البعض يطرح أفكاراً متشابهة توحي بأنّ الاتفاق على قانون الانتخاب قد أوشَك، ولكن سرعان ما يتبيّن انّها متشابهة في الشكل ولكنّها متناقضة في المضمون، خصوصاً في موضوع توزيع المقاعد النيابية بين اكثري ونسبي على الدوائر الانتخابية، إذ إنّ لكل فريق وجهة نظر مختلفة عن الآخر في هذا المجال، بحيث انّ كلّ فريق يطرح التوزيعة التي يضمن من خلالها فوزَه بأكثرية المقاعد النيابية في هذه الدائرة أو تلك، إذ يقترح الاكثري في الدائرة التي يستطيع اكتساحَها، ويقترح النسبي في الدائرة التي يعتقد انّه يفوز فيها على منافسيه، في حين انّ المطلوب لتحقيق شمولية التمثيل وعدالته اعتماد معايير واحدة ليتمثّل كلّ فريق حسب حجمه.

وما لم تنتهِ عقلية «الغالب والمغلوب» لدى البعض، وما لم يقرّ كل فريق بحجمه الطبيعي ويعتزل الرغبة في إلغاء الآخر والاستئثار بالسلطة، لن يكون هناك قانون انتخاب ولا إعادة تكوين لسلطة وطنية جامعة.