يحاول الجميع استكشاف ما تمّ إنجازه في العشاء الذي جمع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، حيث رأت مصادر متابعة للملف الحكومي أن صمت الحريري وانتظار وصول الموفد الفرنسي، للكشف عما تمّ في باريس يعنيان ان ثمة تعديلا في وجهة الملف الحكومي يُراد تظهيرها عبر جولة الموفد الفرنسي، وعن طبيعة التغيير تعتقد المصادر أن امتعاض النائب السابق وليد جنبلاط الذي عبر عن نظرة متهكّمة تجاه عشاء باريس، يعني ان ما تبلغه جنبلاط من الحريري والفرنسيين تسبب بانزعاجه. ورجحت المصادر ان يكون السبب لمكاشفته بنية السير بصيغة الـ 20 وزيراً، لكونها ستعني تمثيل الطرف الدرزي المقابل الذي يمثله النائب طلال إرسلان، وهو الأمر الذي كان استبعاده وراء تمسك الحريري بصيغة الـ 18 وزيراً، وفي صيغة الـ 20 لا يستطيع الحريري معارضة نيل فريق رئيس الجمهورية الوزير المسيحي المضاف، وسيكون طبيعياً أن يتمثل حليف رئيس الجمهورية النائب إرسلان، بحيث يسقط التحفظ على الثلث المعطل، لأن الحصول عليه يكون قد تمّ من دون المطالبة به، والاعتراض عليه يكون مبالغة لا مبررات تحميها. وقالت المصادر إن الحصة الصافية لرئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر ستبقى ستة وزراء، ولا تشكل الثلث المعطل، والحديث عن وزير الطاشناق او عن النائب إرسلان وانضمامهما إلى تكوين الثلث المعطل، يشكل مبالغة لأن ما يجمع الفريقين برئيس الجمهورية يجمعهما بثنائي حركة أمل وحزب الله، وليسا أقرب للتيار الوطني الحر من حزب الله، وفي الحالة التي ينضمان فيها الى فريق الرئيس والتيار، فسيكون ذلك ضمن حلف يشمل الثنائي، وعندها تكون أزمة وطنيّة تتخطى خلاف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المفترض.
مع عودة الرئيس المكلف سعد الحريري إلى بيروت مساء أمس، سيطرت حال من الترقب على المشهد الداخلي لمعرفة نتائج جولته الخارجية ولا سيما لقاءه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه في باريس.
وأشارت مصادر المعلومات إلى أن هناك تكتماً شديداً في بيت الوسط حول نتائج لقاءات الحريري في باريس وهو الآن بصدد تحضير كلمته التي سيوجّهها الأحد المقبل في 14 شباط إلى اللبنانيين، لمناسبة ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، والتي وصفت بأنها ستكون شاملة لكل القضايا المطروحة.
وسبقت عودة الحريري إشارة مصدر في الإليزيه لـ»سكاي نيوز» إلى أن الرئيس الفرنسي لن يزور لبنان ما لم تتقدّم الأمور في البلاد ويتم تشكيل حكومة. وبحسب معلومات «البناء» فإن خطاب الحريري بعد غدٍ الأحد وما سيحمله موفد الرئيس الفرنسي إلى بيروت باتريك دوريل، سيكشفان نتائج اللقاءات والمشاورات الخارجية، إضافة إلى أن ترجمة أي إيجابية تكون بزيارة الحريري إلى بعبدا للقاء رئيس الجمهورية، وبالتالي مطلع الأسبوع سيتضح المشهد الحكومي. مع ترجيح المصادر استبعاد حصول خرق حكومي قبل زيارة ماكرون إلى السعودية بعد منتصف الشهر الحالي. وكتب رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على «تويتر» قائلا: «هل العشاء فتح الطريق للذهاب الى المريخ للتخلص من جليد الثلث المعطل؟».
ولفتت مصادر سياسية لـ»البناء» إلى أن «نتائج زيارة الحريري تحتاج إلى وقت لتظهر بشكل عملي لا سيما أنها تستدعي جولة مشاورات جديدة بين الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون لتذليل العقد أمام تأليف الحكومة». وهذا ما أكده نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش بأن «زيارة الرئيس المكلف لماكرون لن تحدث خرقاً في الملف الحكومي لأنها بحاجة الى تفاهم بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية». وأوضح علوش في حديث إذاعي أن «ما يحرّك الجمود هو مبادرة من الرئيس ميشال عون والتخلي عن فكرة السيطرة على الحكومة من خلال تسمية ستة وزراء زائداً واحداً، وإلا فكل حراك داخلي أو خارجي لن يؤدي الى أية نتائج». وشدّد على أن «الحقيقة هي عكس ما تنفيه الدائرة الإعلامية للقصر الجمهوري حول الثلث المعطل»، مشيراً الى أن «الحريري مصرّ على أن يعرض هو تشكيلة كاملة من خارج الأحزاب فيما الرئيس عون مصرّ على اختيار مَن ينال موافقة النائب جبران باسيل».
وفيما أشارت مصادر مطلعة على الملف الحكومي لـ”البناء” إلى أن “العقدة الحكومية داخلية أكثر من خارجية وتتعلق تحديداً بوزارتي الداخلية والعدل وفي حال تم الاتفاق بين الرئيسين عون والحريري على هاتين الحقيبتين وعلى عدد الوزراء وحصة كل الأطراف المشاركة فيها تعلن الحكومة خلال أيام قليلة”، مضيفة أن السعودية عامل معطل لتأليف الحكومة لكونها لا تعارض الحريري فحسب بل ترفض المعادلة السياسية والنيابية القائمة برمتها، لأنها تميل إلى حزب الله وحلفائه، لكن يمكن تجاوز هذا المعطى السعودي إذا قرر عون والحريري الاستفادة من المبادرة الفرنسية والدعم الأوروبي والتغير في الإدارة الأميركية للعمل على تدوير الزوايا والتنازل لمصلحة البلد والسير وفق المبادرة التي طرحها رئيس المجلس النيابي نبيه بري “الأطراف تسمّي وزراء غير محسوبين عليها وليسوا ضدها”.
وعلمت “البناء” أن عون مصرّ على تسمية 6 وزراء مسيحيين من دون وزير حزب الطاشناق فيما الحريري يتمسك بأن تكون حصة الطاشناق ضمن حصة عون أو أن ينال رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر خمسة وزراء من دون الطاشناق الذي يصرّ على أن يسمي ممثله بشكل مستقل عن رئيس الجمهورية والتيار. وفي هذا السياق استقبل رئيس الجمهورية في بعبدا، الأمين العام لحزب “الطاشناق” النائب اغوب بقرادونيان وعرض معه لموقف الحزب من الملف الحكومي. في المقابل لفتت مصادر مطلعة على موقف حزب الله لـ”البناء” إلى أن “الحزب يدعو الحريري وكافة الأطراف إلى التنازل عن الحسابات الضيقة والعودة إلى طاولة الحوار والتشاور وتذليل العقد”، ولفتت إلى أن الحزب يسمّي الوزراء المحسوبين عليه وفق المعيار القائم والذي يطبق على باقي الأطراف ولا أحد يمنعه من ترجمة تمثيله الشعبي والسياسي في الحكومة. ونفت المصادر أي رابط بين تأليف حكومة في لبنان والمفاوضات الأميركية – الإيرانية، مؤكدة بأن إيران لا تتدخل في الشأن الداخلي وتدعم ما تتفق عليه الأطراف اللبنانية.
وفي سياق ذلك، رأت كتلة الوفاء للمقاومة في بيان خلال اجتماعها الدوري برئاسة النائب محمد رعد، أن “البلاد اليوم بأمسّ الحاجة إلى تضافر جهود كل المؤسسات الدستورية للنهوض بأعبائها وانتشالها من تحت ضغوط الأزمات المتعاقبة التي ألمّت بها سواء على الصعيد المالي والاقتصادي أو على الصعيد الصحي والإداري أو غير ذلك، وأن المرحلة تتطلب من دون أي تأخير تشكيل حكومة جديدة معزّزة بصلاحياتها الدستورية الكاملة وقادرة على التصدّي بإقدام وسرعة لتحقيق مصالح اللبنانيين ورعاية شؤونهم في الداخل والخارج”.
ويتحدّث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الثامنة والنصف من مساء الثلثاء المقبل في الذكرى السنوية للقادة الشهداء.