Beirut weather 27.41 ° C
تاريخ النشر June 9, 2024
A A A
مجزرة إهدن الذكرى والعبرة
الكاتب: المحامي زياد الخازن

كتب المحامي زياد رامز خازن لموقع المرده:

في الثالث عشر من حزيران من كل عام، يستعيد اللبنانيون لا سيما الشماليون منهم، الذكرى السنوية لمجزرة إهدن (١٩٧٨) التي كانت فاتحة ما عُرف لاحقاً “بحروب الإلغاء” و إيذاناً بمسار ما زالت حلقاته متواصلة ‏حتى ‏اليوم، إنطلق مع شعار”توحيد البندقية المسيحية” تحت راية “القوات اللبنانية” التي تَمَكَّنَ رئيسها الشيخ بشير الجميل، الذي ألهب مشاعر المسيحيين “الخلاصيّة”، من القضاء على “نمور الأحرار” (١٩٨٠) بعدما كان قد سيطر أو قضى من قبل على بقية الفصائل المسيحية المسلحة مثل “الكتائب” و “حراس الأرز” و “الشبيبة”… لكنه لم يتمكن من القضاء على “المرده” بزعامة الرئيس الراحل سليمان فرنجيه رغم مجزرة إهدن التي ذهب ضحيتها نجله الوزير و النائب الشهيد طوني وزوجته و ابنته وعدد من أبناء البلدة، حيث إن دم إهدن سجل التعارض المديد بين المسيحيين المنادين بإنتمائهم إلى العالم العربي والمسيحيين الذين إختاروا إسرائيل.
بعد إغتيال الرئيس بشير الجميل إنقسم فصيله بين قادته الذين تحاربوا فيما بينهم على من هو الأحق بتمثيل المسيحيين في ما سُمّيَ “بالمنطقة المسيحية المُحررة”، بين الدكتور سمير جعجع وفادي إفرام و الدكتور فؤاد أبو ناضر، ومن ‏ثم الصراع الدموي بين جعجع وإيلي حبيقة، الذي فتح الطريق لصراع ‏على ‏قيادة “الكتائب” بين جعجع و النائب جورج سعادة وإستطراداً الرئيس أمين الجميّل، ليتربّع في النهاية الدكتور سمير جعجع على كرسي قيادة “القوات اللبنانية”.
في العام 1988 و رغم القطيعة بينهما، تقاطع الثنائي المسيحي (جعجع ــــــ عون) ضد إنتخاب الرئيس الراحل سليمان فرنجيه و تمّ تعطيل جلسة إنتخابه في ١٨ آب ١٩٨٨، وبعد سنتين بالتمام و الكمال رست بورصة الصراعات المسيحية في العام ١٩٩٠ على ما سُمّيَ ‏‏”حرب ‏الإلغاء” التي إندلعت بين العماد عون و الدكتور سمير جعجع، مما أدى مجدداً إلى قتل المئات وجرح الآلاف من المسيحيين، ودخول الجيش السوري إلى الشرقية، و نُفي العماد عون إلى فرنسا (١٩٩١)، وسُجن الدكتور جعجع ١١سنة (١٩٩٤)… فكانت نهاية الحرب الأهلية وخسارة المسيحيين نتيجة “سوء التقدير” وخياراتهم السياسية الخارجية كما الداخلية الخاطئة والتي توّجت بخسارتهم حروباً داخلية من “حرب الجبل” إلى “حرب الأخوة” دفعتهم إلى الرضوخ للإرادات الخارجية التي أنتجت إتفاق الطائف والذي بدأت معه مرحلة ” تقليص” نفوذهم في الحكم، وزادها سوءاً قرارهم الخاطئ جداً بمقاطعة أول إنتخابات نيابية بعد الطائف ما دفعهم فعلياً إلى خارج الدولة.
خلاصة القول ‎أن إغواء الرأي العام المسيحي بشعارات شعبوية “كالأقوى بطائفته” و ” الرئيس القوي” إضافةً إلى الشعارات الخداعة من نوع “حقوق المسيحيين” و “إرادة المكون المسيحي” دمّرت النسيج المسيحي و أحرقته بحروب الإقصاء والإلغاء بدءاً من مجزرة إهدن وصولاً إلى ما يتعرض له الوزير سليمان فرنجيه هذه الأيام من رفض قوى مسيحية لبنانية له كمرشح طبيعي للرئاسة هو بمنزلة محاولة إغتيال سياسي له. الأسباب عديدة ومعقدة ومركبة، يتداخل فيها الشخصي بالسياسي بالتاريخي، لكن ما هو مؤكد أن هذه القضية متعلقة بموقع المسيحيين في هذا البلد، وموقفهم من ثلاث قضايا أساسية هي: الموقف من الغرب و”إسرائيل” تحديداً، والعلاقة مع سوريا وقضية وحدة لبنان.
حماية المسيحيين تبدأ بتعزيز إنتمائهم إلى الوطن وليس بإدخالهم في مشاريع إنعزالية وتقسيمية عبر تخويفهم من شركائهم في الوطن… وحده الخيار العروبي، الوحدوي، التوافقي و الإستيعابي يشكل ضمانة وسياجاً للمسيحيين ولدورهم التاريخي وبقائهم ووجودهم.
إن هذه اللحظة الحساسة التي يمر بها لبنان تحتاج إلى هذا المسار، وإلى رئيس جمهورية يؤمن بهذه الرؤية. أما التأخير فينطوي على هدر الفرص و الجنوح مجدداً نحو مخاطرة أخرى.
قيل سابقاً أن التاريخ يكرر نفسه لأن البعض لم يصغوا إليه جيداً في المرة الأولى….
فحذاري أيها المسيحيين من السياسيين المسيحيين الذين يُظهرون حرصاً مُفرطاً عليكم، لأن هؤلاء أنفسهم من يجلبون الكوارث و الأهوال على المسيحيين نتيجة تهورهم و رهاناتهم الخاطئة.