Beirut weather 26.41 ° C
تاريخ النشر July 16, 2018
A A A
ما هو “الوقود الصلب” الذي يُستخدم مع جيل جديد من صواريخ الفضاء؟
الكاتب: ريتشارد هولينغهام - بي بي سي

لم أزر مكانا من قبل يزخر بهذا الكم الهائل من اللافتات التحذيرية، التي تشير إلى وجوب ارتداء زي واق وقفازات وجهاز تنفس. لكنني لم أرتد أيا من ذلك.
حذرني البعض من مخاطر وقوع انفجارات. كما لاحظت في الخارج تحذيرات أخرى من الثعابين والعناكب السامة.
وفي غرفة تقع في القاعدة الفضائية الأوروبية في كورو بإقليم غويانا الفرنسي في أميركا الجنوبية، يعكف مهندسون على خلط العناصر اللازمة لتصنيع وقود الصواريخ الصلب.
هذا المصنع الأوروبي لإنتاج وقود الصواريخ هو شراكة بين مجموعة “أريان غروب” وشركة “أفيو” الإيطالية.
ويقول ديفيد كوانكارد، مدير العمليات بشركة “أريان غروب”: “يكون الوقود في البداية سائلا، ثم نخضعه لمجموعة عمليات ليصير صلبا”.
وتجرى عملية المزج، بسبب خطورتها، خلف جدران خرسانية سميكة في مبنى معزول وسط غابة استوائية. ويتحكم العلماء في هذه العمليات عن بعد من مبنى آخر محصن يبعد عنه مئات الأمتار، وأُحيطت المنطقة بأكملها بسياج أمني وأسلاك شائكة وأبراج مراقبة.
وتستخدم الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب عادة للأغراض العسكرية، مثل صاروخ ترايدنت الباليستي العابر للقارات أو صاروخ “إكزوسيت” الفرنسي، وتستخدم أيضا كمعززات للدفع الصاروخي، مثل معززات المكوك الفضائي التابع لوكالة “ناسا” الفضائية الذي يسمى رسميا “نظام النقل الفضائي”.
لكن الوقود الذي يجري تصنيعه في قاعدة كورو الفضائية، سيستخدم خصيصا لتشغيل صاروخين مختلفين، هما معززات صاروخ “أريان 5” العملاق، المصمم لنقل المركبات الفضائية الضخمة، مثل الأقمار الصناعية للاتصالات والبعثات العلمية التي ستسبر أغوار الفضاء، والمراحل الثلاثة الأولى من صاروخ فيغا البالغ ارتفاعه 110 أقدام، والذي يستخدم في نقل حمولات أصغر حجما إلى المدار الأرضي المنخفض.
وعلى غرار الألعاب النارية، لا يوجد في المعززات أو المحركات التي تعمل بالوقود الصلب صمامات داخلية أو أنابيب أو أجزاء متحركة، فبمجرد ما يشتعل الوقود الصلب، ينطلق الصاروخ على الفور، ولن تتمكن من إيقافه. ولهذا السبب يتعين تصنيع الوقود في موقع إطلاق الصواريخ، لأن نقل الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب عبر المحيط الأطلسي من أوروبا محفوف بمخاطر متعددة.
وتوضع عناصر الوقود الصلب في جهاز خلط ضخم، يشبه الآلات التي تجدها في المخابز الصناعية، ويعد هذا الجهاز واحدا من أكبر أجهزة الخلط في العالم.
ويتضمن الجهاز شفرات عديدة تدور بسرعة تتراوح بين 500 و1000 دورة في الدقيقة من دون أن تلامس جوانب الوعاء لتلافي خطر الاشتعال. ويخلط هذا الجهاز في كل مرة ما لا يقل عن 12 طنا من الوقود الدافع.
وتصل أوعية الخلط إلى المصنع مملؤة بخليط لزج خامل من الألومنيوم وأكسيد الحديد ومواد رابطة. ثم يُسخن الخليط حتى درجة حرارة 75 درجة مئوية، وأثناء دوران الشفرات يُنثر على الخليط من أنبوب أعلى الوعاء مسحوق فوق كلوريد الأمونيوم. ولكن الشركة لم تفصح عن نسب وعناصر الخليط تحديدا.
وبعد الخلط، يُنقل الوقود إلى مبنى أخر ويخضع لعمليات كيميائية إضافية حتى يأخذ شكل بنية الصاروخ.
وقد صُنع غلاف محرك صاروخ فيغا في أيطاليا، ويتكون من أنابيب مجوفة صغيرة خفيفة الوزن مصنوعة من ألياف الكربون ومبطنة بمادة عازلة.
ويقول كوانكارد: “عندما يتعرض الخليط للحرارة يصير صلبا، ويمكنك إزالة القالب بسهولة وبذلك يصبح الوقود مطابقا لشكل غلاف المحرك”.
ثم يخضع الوقود الصلب للفحوصات بحثا عن عيوب، ويختزن لمدة شهر حتى تستقر الروابط بين الوقود والغلاف. وبإضافة نظام الإشعال، يصبح الصاروخ جاهزا للانطلاق.
عند هذه المرحلة، يعد الوقود آمنا. ولكنني كنت في مخزن يطل على ثلاثة مراحل ضخمة من الصاروخ مملوءة بالوقود. وكما هو الحال في محطات الوقود، يحظر حمل الهواتف المحمولة، ولكن الفارق أن العواقب هنا أشد وخامة منها في محطات الوقود.
دخل الصاروخ أريان 5 في الخدمة منذ عام 1996، وأُطلق خلال هذه الفترة 98 مرة إلى الفضاء بنجاح ولم تخفق سوى محاولتين لإطلاقه لأسباب ليس لها صلة بالوقود الصلب. ولهذا يعد آريان من الصواريخ الأكثر كفاءة في العالم.
والأمر نفسه ينطبق على صاروخ فيغا، الذي نجحت جميع محاولات إطلاقه منذ أن دخل الخدمة في عام 2012. ولكن الصاروخين في حاجة للتحديث، سواء من حيث الأداء أو الكفاءة، للحد من تكاليف تشغيلهما ولإضافة مميزات جديدة تساعدهما في الصمود في مواجهة الصواريخ المنافسة في السوق.
ويجري الآن إعداد صاروخ حامل مزود بأول محرك من الجيل الجديد من المحركات المصنوعة من ألياف الكربون التي تعمل بالوقود الصلب، وسيمر الصاروخ بالاختبارات والفحوصات اللازمة في قاعدة كورو الفضائية. ويعد هذا المحرك “بي 120 سي” واحدا من أكبر محركات الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب، إذ يحمل كل محرك 140 طنا من الوقود الدافع.