Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر September 11, 2023
A A A
لوحات في معرضٍ لروبير فرنجيه السياسي والإنسان: اللون كلمةٌ فوصيّة استشرف من خلالها القدر الملعون!
الكاتب: روزيت فاضل - النهار
RF 1 (3) p 2 RF 6 P 1 RF 8-p2 RF 9 p3
<
>

في الذكرى الخامسة لوفاته، يلفّ السكون دارة الراحل روبير سليمان فرنجيه، ذلك السكون العميق المتوغل في جوانب معرض فردي لمجموعة خاصة برسومات الغائب – الحاضر…
في إهدن، تبدو الدار كما تركها قبل رحيله… باب المدخل مشرّع للوافدين، الذين كانوا يقصدونه دورياً لإلقاء التحية، أو أكثر…

على مدخل الدار، لوحة بيضاء بريشته تتبعثر فيها وجوه غير مكتملة بألوان بيضاء، أو حمراء تارة أو سوداء تارة أخرى كأنها تمثل الضياع والتشتت من الآتي أو من لعنة وطن…

كل شيء في دارة روبير فرنجيه يدور في فلك تلك العائلة المتجذرة في حكاية وطن يعيش مخاضاً صعباً منذ تأسيسه الى اليوم.

الدار محاطة من جهة الشرفة بشجرة أرز وبعض شجر السنديان والصنوبر. كل شيء في مكانه، صورته الى يمين صالة الجلوس الرئيسية، وهو يحدق بخفر في الحياة … وربما الى ما بعدها…
ماهي أهمية رسوماته؟ في الحقيقة، تحولت هذه الأعمال الفنية التجريدية بغالبيتها الى وصية هذا السياسي والإنسان الى ناسه، أو الى بيئة أبعد من محيطه المباشر.

بِمَ أوصى؟ إستشرف فرنجيه العابر بثقافته الغربية الى عالمنا الشرقي خوفاً واضحاً على الحضارات، غامزاً من لوحة رمادية اللون لقلعة حلب، كأنه عبّر في عمله هذا عن خشية على الذاكرة الجماعية، على تاريخ مدينة مهددة اليوم أكثر من اي وقت…

هذه اللوحة في صدر الحائط الشمالي تعبق بلون رمادي فاتح متموج ومتدرج الى طبقات مع لون ترابي فاتح لتبرز من خلالها لوحة تجريدية ضد القدر الملعون لمدينة حلب، التي عشقها روبير فرنجية.

إستشرف أيضاً مدينة تدمر هناك في تلك الزاوية، التي تحكي قصة هذا المعلم الأثري من خلال لوحتين…هل عرف روبير فرنجيه ماذا يمكن أن يهدد تدمر؟ هل بكاها مثلنا عندما كانت مهددة بديمومتها يوم اعتدى عليها تنظيم “داعش” بتخلفّه؟!

تمايز روبير فرنجيه بأنه تمكن في الرسم من أن يقرأ صدى السياسة وشجونها على الآثار، واضعاً نُصب أعين زواره وصية أخرى توزعت على لوحات عدة، أهمها ضرورة الاهتمام بالبيئة، بالشجر، بالورود، بامتداد اللون الازرق في سماء إهدن وزغرتا، واللون الأخضر في أحراجها وجبالها…

ثمة لوحة تمجد سماء الطبيعة بطبقاتها الثلاث: الحمراء إيذاناً بالمغيب والبيضاء المرادفة للصفاء و”اللاتلوّث”، وطبقة ثالثة بين اللونين كأنها تمهد لأفق جديد معنا.

في لوحة أخرى تعبّر ريشته عن ظلال ناس بلا وجوه واضحة، لتدل ربما على حكاية قصة كل واحد منا ولو على طريقته، إضافة الى لوحة أخرى تجسد الشباب الآتي المنتفض على ذاته، على قدره …

 

شعر فرنجيه، الذي اختبر الألم والحزن والصمود في وجه المحتل مدافعاً بشراسة عن بلدته، بشيء من القلق الشديد عندما رسم هنا لوحة مطلية بسواد قاتم، لوحة يسكنها ذلك الليل المظلم في سكون البحر، والذي خرقه ضوء منارة حمراء اللون تعلن بشيء ما سيخرق سكون البحر…

تنتفض المخيلة ليسري في الوعي واللاوعي ما نتمناه في هذه الأيام…هل هو مركب جديد لعائدين الى الوطن ام عكس ذلك؟!

تحوّل اللون الى كلمة، اي الى وصية برزت أيضاً من خلال تلك الأشواك على مقربة من كومة حجر في هذا العمل التجريدي، لنتساءل ما إذا كان يحاكي الحرية التي أدمنها روبير فرنجيه…
وللمرأة حقها، في أحد الأعمال بورتريه لمنى باسيلي صحناوي، المرأة التي دفعته الى الرسم …تدرّجا معاً من صداقة الطفولة الى براءة التعبير في اللوحة.

الرسم كان خليل روبير فرنجيه بعد تسليم الزعامة السياسية لإبن شقيقه سليمان فرنجيه… تآلف مع اللون في لوحات عدة منها تلك الأعمال الثلاثة المتشابهة هناك في الحجم والمضمون والهدف…

آنسه الرسم في المرض كاشفاً لنا حبه اللامتناهي لكلبه، الذي خصه بالتفاتة في إحدى اللوحات. فهو الذي كتم أسراره وواكب وجعه خلال المرض بصمت الأنقياء…

هذه المحاولات، التي انطلق روبير فرنجيه او كما يسميه ناسه روبير بك، توسعت بدءاً من العام 2000 لتتجسد في أعمال عدة، منها لوحة خاصة عن الطبيعة الصامتة المجردة، التي تألفت من عصفورة وحيدة وبقربها قنينة فارغة في وسطها وردة…

يتساءل زائر هذه اللوحة عما إذا كان هذا العمل السيناريو الأمثل للهدوء، للوحدة السرمدية…وما أجملها…

جالسنا في هذه الزيارة المصور المحترف سميح زعتر وزوجته المهندسة المعمارية هند يمّين والصبية جولي سعادة، الذين جمعتهم صداقة مع روبير بك كما ينادونه. هم من شاركوه شغفه للرسم وتذوقه للموسيقى وولعه بالمطالعة، إضافة الى انهم لعبوا دوراً كبيراً في تنظيم هذا المعرض إحتفالاً بمسيرته الغنية بمحطات سياسية وإنسانية وفنية…