Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر March 13, 2025
A A A
كنيسة سيّدة زغرتا الأثرية… عجائبية ومن أغنى كنائس لبنان
الكاتب: دميا فنيانوس - موقع المرده

يولي الزغرتاويون اهتمامًا كبيرًا بالكنائس ويصلّون ويقيمون التساعيات المخصصة للقديسين استعدادًا للاحتفال في عيدهم ويشاركون في القداديس اليومية ولا يمر شخص قرب كنيسة الا ويزورها. والسيدة العذراء أم سيدنا يسوع المسيح لديها تكريم خاص من قبل الزغرتاويين فلا يخلو منزل من صورة سيدة زغرتا او مزار وحتى في المحال التجارية في زغرتا. وتعتبر كنيسة سيّدة زغرتا آية من جمال الفن المعماري والهندسية الكنسيّة.

في هذا المقال سنعرّفكم على تاريخ كنيسة سيدة زغرتا الأثرية:
بعد تملّك الاهدنيون زغرتا في العام ١٥١٧ شرعوا الى بناء كنيسة لهم وأسموها كنيسة سيدة زغرتا.

ويقول الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي الاهدني في كتابه “تاريخ الأزمنة”: “في سنة ١٦٠٧ سلخت قلعة زغرتا التي في زاوية طرابلس ووقع البرج القبلي الذي كان فيه كنيسة السيدة، وانسلخ من الأرض وطالع، فاعتنى الأسقف جرجس عميره مع أولاد القرية حتى شيدوا السور البراني، وكلسوا القبو الجوّاني وكرّسوه باسم السيدة.

وفي العام ١٦٥١، قام المطران الياس الإهدني بتوسيع كنيسة سيّدة زغرتا وفتح سوق القلعة الشرقي فوق الكنيسة وبيّضه وكرّسه وأقام فيه ثلاثة مذابح، بسبب كثرة الناس الذين كانوا يزورونها ويطلبون شفاعتها.

وفي العام ١٦٥٣ ، ضرب الطاعون لبنان وعدة بلدان وحصلت حالات وفيات كثيرة. ولجأ العديد من الناس الى كنيسة سيّدة زغرتا ونجا من الطاعون كل من سكن زغرتا ويقال أن كثيرين رأوا السيدة العذراء مريم تسير على سطح البرج الذي يعلو الكنيسة بثياب فاخرة وذلك حدث لأكثر من مرّة.

وفي ١١ آذار سنة ١٦٩٣، كرّس الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي كنيسة سيّدة زغرتا، وذكر ذلك في إحدى مخطوطاته التي أرسلها إلى المكتبة الفاتيكانيّة في روما والتي ذكر فيها الكنائس التي كرّسها في لبنان.
وفي ١٨ شباط ١٦٩٤، كانت رسامة الكاهن الأوّل على مذبح سيّدة زغرتا .
وقد جاء في شرطونية (كتاب الرسامات الكهنوتيّة) للبطريرك الدويهي التي وضعها سنة ١٦٧٠ ما يلي : “في ١٨ شباط ١٦٩٤، انتخب الثالوث الأقدس الشمّاس زخيا من بيت الحاج حنّا قسّيسًا على كنيسة سيّدة زغرتا”.

كانت كنيسة سيّدة زغرتا تحتوي على كنوز ثمينة جدًا مثل المصابيح الكبيرة وثريّات مصنوعة من الذهب والفضة التي لم يكن لها مثيلًا في كنائس لبنان. بالاضافة الى الكتب الطقسيّة النفيسة المطبوعة والمخطوطة.

وبسبب كثرة عدد السكان في زغرتا وقيام الاحتفالات الدينية فيها قام الاهالي وعلى رأسهم الشيخ يوسف فرنسيس كرم جدّ بطل لبنان يوسف بك كرم ببناء كنيسة جديدة لسيدة زغرتا في العام ١٧٦١ وقد قام بعملية البناء المعلم حنا صوطو والتي لا تزال قائمة حتى اليوم.

وفي العام ١٨٦٦ قام الجيش التركي بسرقة هذه الكنوز عندما زحف بالآلاف إلى زغرتا لمهاجمة بطل لبنان يوسف بك كرم بأمر من المتصرّف داود باشا. وقد احتل الجيش التركي زغرتا وهي خالية من أهاليها . فأمعن في عمليات السرقة والنهب وكان لكنيسة سيّدة زغرتا الحصة الكبرى.

وحصل آخر ترميم في الكنيسة في عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجيه عام ١٩٧٤ وأقيمت للمناسبة احتفالات دينية على مدى ثلاثة أيام، وذلك بحسب كتاب “دليل زغرتا” للأب الدكتور يوسف يمين.

يشار إلى أنّ كنيسة مار يوسف كانت كنيسة مستقلّة ملاصقة من الخارج لكنيسة سيّدة زغرتا من الشمال الغربي، ومخصّصة لمدرسة مار يوسف. وفي بداية هذا القرن، فتحت هذه الكنيسة الصغيرة على صحن كنيسة سيّدة زغرتا بغية توسيعها، وأصبحت تشكّل نوعًا من المذبح الجانبي الإضافي كما هو ظاهر إلى اليوم في الزاوية الشماليّة الغربيّة من كنيسة سيّدة زغرتا والمنصوب داخلها تمثال لابييتا “La Pietà وهي منحوتة للسيدة العذراء تحمل يسوع المسيح بين ذراعيها بعد ان مات على الصليب. وذلك وفقًا لكتاب “زغرتا تاريخ من تاريخ” للباحث روي عريجي.

بعد هذا الترميم، ظهرت كتابات تاريخيّة منقوشة على جدران الكنيسة الداخليّة باللّغات الثلاثة العربيّة والكرشونيّة والفرنسيّة.
وكانت معظم هذه الكتابات تدلّ على مدافن في أرض الكنيسة. والجدير ذكره أنّ الأب سمعان الدويهي والرئيس الشهيد رينيه معوّض مدفونان في أحد أقبّة الكنيسة.
ومن الآثار المتبقية في الكنيسة حتى اليوم جرن المعمودية في السكرستيا ومحفور عليه صليب ماروني وهو صليب النسّاك ما يدل على ان المطران جبرائيل الإهدني عاش ناسكًا في هذه الغرفة بحسب كتاب “اهدن فردوس الكنائس والأديار حجارة تتكلم” للخوري يوحنا مخلوف.

اما بالنسبة للوحة سيدة زغرتا فيقال أن رسّام هذه الصورة مجهول الهوية ولكنّ ما يعرف عنه أنّه من الجنسيّة الإيطاليّة وقد نقلها عن الصورة الموجودة في كاتدرائية مار يوحنا اللاتراني في روما، والتي يبلغ حجمها حوالى المتر والنصف .
وأعاد رسمها رسّام أرمنيّ وقد رفض إمضاءها باعتباره أنّها ليست من أعماله. ويذكر أن الصورة الأساسية إختفت.

ويحتفل بعيدها في ١٥ آب من كل سنة ودرجت عادات وتقاليد منذ اجدادنا ومنها المشي على الأقدام من إهدن وصولا إلى زغرتا قبل العيد حتى مساء يوم العيد ويسيرون جماعات وافراد او يشاركون في المسيرة التي تنظمها كهنة رعية اهدن – زغرتا على انغام التراتيل والصلوات حيث يستقبل أبناء زغرتا المسيرة بالزغاريد ونثر الورود والبخور وقرع الأجراس.

كنيسة سيدة زغرتا
<
>

وفي ١٣ آب عام ٢٠٢٤ اقيم قداس احتفالي في الكنيسة اي قبل يومين من عيدها حيث كرّس المطران جوزاف نفّاع والخورأسقف اسطفان فرنجيه ولفيف من الكهنة تمثالًا للطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي وايضًا علّقت صورة له في الجهة الأمامية للكنيسة لأنه تعبّد لها ونال منها عجيبة شفائه من العمى حين كان يتعلّم في روما.

ويقول الكثيرون من ابناء زغرتا أن كنيسة سيدة زغرتا هي قلعة من الإيمان والمحبة والخشوع وهي تاريخ حافل وشاهد على عدة حقبات حلوة ومرّة عاشها الزغرتاويون.