Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر June 30, 2025
A A A
الحرب مستمرّة… بلا إطلاق نار!
الكاتب: أحمد بهجة - البناء

توقَّف العدوان الأميركي ـ “الإسرائيلي” على إيران صباح الثلاثاء 24 حزيران، نتيجة يقين تكوَّن لدى المعتدين خلال 12 يوماً فقط بأنّ إخضاع الجمهورية الإسلامية أمر مستحيل. هذا لا يعني أبداً أنّ الحرب قد انتهت، بل يمكن القول إنّ مرحلة جديدة من هذه الحرب قد بدأت لكن من دون إطلاق نار.
هذه المرحلة الجديدة فيها الكثير من التحديات، على كلّ المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية. ولأنّ الصراع مستمرّ ولا أحد من المراقبين يمكنه تحديد موعد الجولة المقبلة من الحرب العسكرية، فإنّ الحديث لا بدّ أن يتركّز على طبيعة الاستعدادات للجولة المقبلة، لمواصلة الحرب على جبهات الأمن والسياسة والعسكر وبشكل خاص على جبهة الاقتصاد.
من ناحيتنا تعنينا إيران، ولا شكّ أنّ قيادتها واعية تماماً لما يجب أن تفعله في الآتي من الأيام، لا سيما أنّ جولة الحرب المباشرة الأخيرة كشفت عن عدد لا بأس به من نقاط القوة التي لا بدّ من تعزيزها وتطويرها، لكنها أيضاً كشفت عدداً من نقاط الضعف التي يجب العمل على معالجتها، ولو تطلّب ذلك الكثير من الإمكانيات والجهد والمثابرة، وهذا ما يجيد فعله الإيرانيون المعروف عنهم صبرهم وقدرتهم على تحمّل المشقات والمصاعب من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، وبشكل أساسي تجاوز مفاعيل العقوبات الأميركية التي ربما أعاقت بعض خطط التنمية لكنها لم تؤدّ إلى إضعاف إيران، بل لعلها شكلت تحدياً وحافزاً لكي تحقق الجمهورية الإسلامية الكثير من التقدّم العلمي والصناعي والتكنولوجي وغير ذلك.
طبعاً لم يتوقف يوماً العمل على جبهة الاقتصاد، لكنه بالتأكيد سيحقق في المرحلة القريبة المقبلة قفزات نوعية في مجالات عديدة، خاصة تلك التي انطلقت قبل فترة من خلال الاتفاقيات الاستراتيجية مع كلّ من روسيا والصين، وأيضاً من خلال مجموعتي “بريكس” و “شنغهاي” وشبكة العلاقات الجيدة التي تستمرّ إيران في بنائها مع دول المنطقة لا سيما مع دول الخليج وبشكل خاص مع السعودية من توقيع الاتفاق بين البلدين في آذار 2023 في بكين.
ولا يكون مستغرباً إذا ركزت إيران بشكل أساسي على تنمية العلاقات مع الصين، لا سيما أنّ البلدين وقّعا عام 2021 اتفاقية تعاون استراتيجي مدّتها 25 عاماً لتعزيز علاقتهما الاقتصادية والسياسية طويلة الأمد وتبلغ قيمتها 400 مليار دولار.
والجدير ذكره أنّ الدول الثلاث إيران والصين وروسيا تخضع لعقوبات أميركية وأوروبية مختلفة، ولكن بما أنّها دول كبيرة فإنّ لديها الوسائل التي تسمح لها بتجاوز هذه العقوبات وتحقيق ما تريده من خطوات في ما بينها، وعلى سبيل المثال فإنّ حركة التبادل التجاري تحقق أرقاماً متصاعدة عاماً بعد عام خاصة أنّ الصين هي المستورد الأول في العالم للغاز والبترول بينما روسيا وإيران هما من أبرز الدول المصدّرة عالمياً لهاتين المادتين.
هذا فضلاً عن التبادلات التجارية الأخرى في مختلف أنواع السلع الصناعية والزراعية والتقنيات المتطورة التي لا بدّ أن تتكامل فيها الدول الثلاث لكي تتمكّن من ردّ التحديات التي تطرحها واشنطن وشركاؤها على صعيد السياسة الدولية التي تريد أن تتحكّم فيها الولايات المتحدة وتضع لها الشروط والقواعد وفق ما يناسب مصالحها الامبراطورية.
وبطبيعة الحال لن تقتصر استعدادات إيران وأصدقائها على الجوانب الاقتصادية، بل هناك بالتأكيد الكثير من العمل في كلّ الجوانب التي تعزز قوة الجبهة المواجهة لأميركا وحلفائها وأتباعها… ولا شكّ أنّ هناك دلالات وأبعاد عديدة لاجتماع وزراء الدفاع في مجموعة “شنغهاي” والذي عُقد في 26 حزيران في مدينة تشينغداو (شرقي الصين)، أيّ بعد يومين على بدء وقف إطلاق النار بين إيران من جهة والولايات المتحدة و”إسرائيل من جهة أخرى… وبعد يوم واحد على انعقاد قمة حلف شمالي الأطلسي في مدينة لاهاي الهولندية.
ولعلّ ما قاله وزير الدفاع الصيني في كلمته الافتتاحية يشكل خير تعبير عن المرحلة المقبلة، إذ أكد بصريح العبارة أهمية التنبّه إلى “أنّ العالم يشهد تغييرات غير مسبوقة منذ قرن، في ظلّ تنامي الأحادية والحمائية، وممارسات الهيمنة والتنمّر التي تهدّد النظام الدولي وتخلق حالة من عدم الاستقرار”. ودعا إلى “تعزيز التنسيق والتعاون داخل أطر متعددة الأطراف كالأمم المتحدة ومنظمة شنغهاي، وتوحيد الصفوف للدفاع عن العدالة الدولية والاستقرار الاستراتيجي العالمي…”