Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر August 10, 2023
A A A
منصوري رمى كرة الإصلاحات في ملعب الحكومة… استحقاق تأمين الرواتب بالدولار ينتظر… فكيف تؤمَّن؟
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

 

عندما أعلن النائب الأول لحاكم مصرف لبنان، قبل تسلمه مهامه بالإنابة، مع زملائه نواب الحاكم الثلاثة الآخرين، ورقة شروطهم لتحمّل مسؤولية إدارة البنك المركزي بعد انتهاء ولاية رياض سلامة، مشترطين إقرارها في أسرع وقت، ساد وقتئذ الخوف من انزلاق الاقتصاد والليرة إلى ما لا تُحمد عقباه، لأن البديل كان التهديد المباشر باستقالة جماعية تضع مصرف لبنان، والليرة، والدولة عموماً، في مهب الفوضى الشاملة.

لكن كعادة أهل السلطة بتمرير الأزمات، بالترقيع حيناً، والتسويف والتأجيل غير المبرّر حيناً آخر، مررواً قطوع شغور الحاكمية على وعود، يعرف القاصي والداني، ويعرفون هم أيضاً، أن إقرار “المطالب الشروط” لا يمكن أن تقر بالسرعة التي يطلبها نواب الحاكم، وأكثر، لا نيّة في الاستعجال بذلك.

يحاول الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، إلزام الدولة بمسؤولياتها تجاه مصرف لبنان، وإشراكها في صناعة الحلول للعوائق الطارئة والمستجدة، و”تعويدها” أي الدولة، على أن ثقافة الاتكال المفرط على مصرف لبنان و”دبّرها يا منصوري” بدلاً من “دبّرها يا رياض” لم تعد ضمن مناهج “الحاكم” الجديد.

ويؤكد العارفون أن منصوري يعمل بمفرده، ومعه المجلس المركزي، وهو لا يعمل عند أحد. وتالياً لا وصاية سياسية، أو مونة، يمكنها التأثير في قراراته وقناعاته، وأن ما يرفضه، هو ما جعله يقبل تنكّب المسؤولية، وهو خطر تفكّك مصرف لبنان، وضياع بقايا الودائع، واستتباع المركزي لوصاية سياسية أو حزبية.

لم يطلب المنصوري ورفاقه جديداً، فقط بضعة قوانين إصلاحية، تضع البلاد على سكة التعافي المعقول، وتساعد في انتشال الاقتصاد من الحفرة العميقة التي وقع فيها. قوانين يمكنها، إذا دُرست بعناية ومسؤولية وشفافية، أن تعيد بناء دفاعات أولية تعزز قدرة النقد اللبناني، وتعيد بعض الجدوى لبقايا الليرة. المؤسف والمرير، أن معظم السياسيين والمسؤولين اللبنانيين، في المعارضة والموالاة، كانوا يلهجون بهذه القوانين يومياً، مطالبين بضرورة إقرارها، والعمل بها بأقصى سرعة ممكنة، ويحاضرون ساعات عنها في الصحافة وعلى الشاشات.

أما وقد تسلم منصوري مهامه في ظل إصرار الحكومة اللبنانية على استعمال احتياط مصرف لبنان بالعملات الأجنبية بكامله، فيبدو أنه مصر على أن الأسباب التي يمكن أن تدفع الحكومة اللبنانية لطلب أموال من المصرف المركزي، هي أسباب غير مبررة على الإطلاق، ويجب أن يتوقف هذا الاستنزاف نهائياً. في المقابل لم يقفل نواب الحاكم الباب نهائياً في وجه الحكومة، واضعين أمامها خريطة طريقة إصلاحية عليها الالتزام بها خلال ستة أشهر للسماح لها بالاقتراض من الاحتياطي بشرط رد الأموال المقترضة لأنها أمانة لدى المصرف.

يقول حاكم مصرف لبنان بالإنابة إن الاستمرار في نهج السياسة السابقة سيوصلنا إلى وقت لن يبقى فيه لدى مصرف لبنان أي مبالغ في ظل الاستمرار بالسياسات الماضية، لكن المعضلة التي يدركها منصوري جيداً أن “وقف تمويل فورياً سيؤدّي الى نتائج خطيرة. فالدولة لغاية اليوم تعتمد على احتياطيات المصرف المركزي بالعملة الأجنبية لدفع رواتب الموظفين وتمويل القوى الأمنية وتأمين الأدوية المستعصية، وتأمين المستلزمات للإدارة، مسلتزمات لا يمكن تفعيل الجباية من دونها”.

لذا يطلب منصوري ونوابه “إصدار قوانين تؤمن الانتظام المالي، ومنها فترة انتقالية قصيرة لا تتعدى ستة أشهر، تسمح بتمويل الدولة بموجب قانون صادر عن المجلس النيابي وتحت رقابته، يكون من ضمن سلة متكاملة تسمح بالبدء بورشة إصلاح حقيقية، من خلال تحقيق 3 مسائل: الأولى تتعلق بإقرار القوانين الإصلاحية، ومنها موازنة عام 2023، ولاحقاً موازنة عام 2024 ضمن المهل الدستورية، وقانون إعادة هيكلة المصارف، وقانون إعادة التوازن المالي، وقانون الكابيتال كونترول، وقانون إعادة هيكلة المصارف، وقانون إعادة التوازن المالي”.

ثمة إجماع على أن تحقيق هذه المطالب التي لم تتحقق في ثلاث سنوات ونصف، لن يتحقق خلال ستة أشهر، ولكن منصوري مقتنع بأنها فرصة البلد الأخيرة “نحن مستعدون لنكون إلى جانب النواب يومياً، حاكمية مصرف لبنان، ومديرو مصرف لبنان، والجهاز الإداري في المصرف، سيكونون بتصرف المجلس النيابي لتزويدهم بأيّ معلومات وأيّ أرقام وفي أيّ وقت، لإنهاء درس هذه القوانين”.

ولا يرى أن مدة الستة أشهر، هي مدة تعجييزية لبلد يمر بأسوأ أزمة مالية بتاريخه، نحن مدينون للمواطن والمودع اللبناني بتأمين الاستقرار الاجتماعي له، وعلى الجميع أن يتحمّل مسؤولياته الوطنية.

المسألة الثانية تتعلق بإقرار قانون يجيز تمويل الحكومة في حال طلبها ذلك لفترة محددة وأخيرة على أن يكون تشريع الصرف من التوظيفات الإلزامية لدى مصرف لبنان مشروطاً برد الأموال، وأن تتأمن إمكانية ردّ هذه الأموال.

الثالثة تتعلق بتحديد آلية توحيد وتحرير سعر الصرف والعمل على استقراره. وما يعزز هذا الاستقرار، هو القانون المقترح الذي ستطلب الحكومة إقراره، والذي يعزز قدرات المصرف المركزي على التدخل في سوق القطع في حال محاولة أي من المضاربين التلاعب، مع التأكيد أن القضاء والقوى الأمنية تراقب عن كثب أي محاولات للتلاعب في سوق القطع، سواء أكان اليوم أم في الغد أم في الفترات المقبلة.

فهل يمكن أن تتحقق هذه المطالب؟ مصادر متابعة تؤكد استحالة تحقيقها جميعاً وخصوصاً ما يتعلق منها بإقرار الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإن استُجيب لمطلب موازنة 2023 فيما العمل يجري على قدم وساق في وزارة المال لإنجاز موازنة 2024 قبل آخر أيلول. وتؤكد المصادر أن “ما يطلبه نواب الحاكم، ليس مطالب شخصية أو تتعلق بمصرف لبنان، بل هي مطالب إصلاحية للحكومة، ومطلوب تحقيقها في حال الإصرار على الصرف من الاحتياطي، وخارج هذا الإطار يعمل مصرف لبنان بشكل طبيعي خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقة مع المصارف”. وأكدت المصادر أن منصوري “لن يرضى مطلقاً المسّ بالاحتياطي، وأن الكرة حالياً هي في ملعب الحكومة، فهي التي تطلب الأموال من مصرف لبنان وليس العكس”. وبالنسبة لرواتب القطاع العام، تؤكد المصادر أن مصرف لبنان لن يؤمنها بالدولار، وتالياً على الدولة أن تؤمن الدولارات أو تشرع لمصرف لبنان تأمينها من السوق. المصادر عينها كشفت أن “إيرادات الدولة أصبحت مرتفعة نوعاً ما، وتالياً يمكنها أن تطلب من مصرف لبنان شراء دولارات من السوق من دون أن يحتاج الأمر الى تشريع، لافتاً أيضاً الى إمكانية تأمينها من أموال وحدة حقوق السحب الخاصة SDR التي تقدّر ما بقي منها بنحو 200 مليون دولار”.

موقف جمعية المصارف من مطالب منصوري؟

موقف جمعية المصارف واضح بالنسبة للمس بالاحتياطي، الذي هو في النهاية أموال المودعين مودعة أمانة في مصرف لبنان، وهو ما عبّر عنه الأمين العام لجمعية المصارف الدكتور فادي خلف بالقول “المساس بأموال المودعين كان ولم يزل مرفوضاً مهما كانت الأعذار والتفسيرات، وقد سبق أن وجهت جمعية المصارف كتابين شديدي اللهجة في هذا المجال إلى الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، كذلك أصدرت بياناً في هذا الخصوص، فكان الحلّ عنده بإعادة الأموال بالليرة على سعر 1500 إذا أصرت المصارف على المطالبة بودائعها لديه، علماً بأن التضحية بأموال المودعين لم تمنع الدولار من الارتفاع، فذهبت الودائع سدىً ولم ينفع تبديد الاحتياطي في منع الانهيار، فكان الفشل صارخاً”.
وأمام إصرار الدولة على متابعة تبديد ما بقي من الاحتياطي طرح خلف سؤالاً عن كيفية تصرّف الدولة إذا ما نضب آخر دولار من أموال المودعين في مصرف لبنان؟ هل ستلجأ إلى مقولة أن الضرورات تبيح المحظورات وتنتقل إلى تسييل الذهب؟ وماذا بعد الذهب؟، مؤكداً أن “كل ذلك حتى لا تقوم الدولة بالإصلاحات اللازمة ولكي تبقى الأولوية للثقوب في السلّة، وما أدراكم كم من المحسوبيات تستقي من هذه الثقوب”!

اليوم يشدد منصوري على إنجاز القوانين المتعلقة بإعادة الانتظام المالي وإعادة هيكلة المصارف وغيرها من القوانين التي من دونها لا يستوي إصلاح ولا قيامة للبنان، لذا يرى خلف ضرورة ملاقاة منصوري “فلنشدّ على يده، لعلّنا نرى نهاية النفق في زمن قريب”.

من جهة أخرى، يؤكد خلف أن “المناداة بالمحافظة على الأمن الاجتماعي على حساب المودعين تنافي المنطق. اللهم إلا إذا طغى مبدأ إعادة توزيع الثروات الذي يُطبَّق في البلدان التي تعتمد الفلسفة الماركسية، وليس في بلد تنتفي فيه الخدمات العامة فيرتكز اقتصاده على المبادرة الفردية. فلا تقتلوا المبادرة الفردية لأنها وحدها كفيلة بإطلاق العجلة الاقتصادية من جديد”.