Beirut weather 35.41 ° C
تاريخ النشر January 28, 2023
A A A
ما الذي دفع فرنجيه إلى الظهور في بكركي ليعلن انطلاقه عملياً في طموحه الى الرئاسة؟
الكاتب: ابراهيم بيرم - النهار

من على منصة بكركي اختار رئيس “تيار المرده” سليمان فرنجيه اول من امس ان يخطو الخطوة العملية الاولى في رحلته الى معركته الرئاسية بعد فترة من الكمون والانتظار بدا فيها مرشحا محجوبا أو احتياطيا مذخورا ليوم موعود.

قيل في معرض تحليل نهج التواري والتخفّي الذي اتّبعه زعيم “المرده” طوال الاشهر الثلاثة التي مضت على الشغور الرئاسي ومنع ورود اسمه في صندوق الاقتراع الذي يدور منذ 11 جولة في القاعة العامة لمجلس النواب إنه فعل واعٍ ومدروس بدقة، واستطرادا منسق تماما مع الحلفاء والمتبنّين تسميته مرشحا حصريا لأن الزعيم الشمالي، كما أوضح أحد أبرز أركان فريق الرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل ذات يوم، يضع نصب عينيه ان يصل الى الرئاسة لا أن يكسب صفة مرشح لها. وبناء عليه فان السؤال المطروح بإلحاح بات: ما هي العوامل المستجدة التي حدت بفرنجيه الى الخروج من بنشعي والتوجه الى بكركي ليعلن من على منبرها الاعلامي انه انطلق في رحلة السعي المكشوف الى الهدف المنشود والموعود؟

لم يكن أمراً عابراً ان يختار فرنجيه بكركي بالذات ليبدأ منها انطلاقته العملية في الرحلة الى قصر بعبدا وفي هذا التوقيت بالذات. فالخطوة لها صلة بمحورية دور الصرح البطريركي في مخاض الإتيان برئيس جديد، خصوصا ان بكركي رفعت في الآونة الاخيرة شعاراً فحواه انها لن تسمح بالاستمرار في خطف المنصب المسيحي الاول في الجمهورية إنْ بملئه بمن لا يناسب أو لجهة ابقائه شاغراً لزمن غير اعتيادي.

وبمعنى آخر، كان أمراً طبيعياً ان فرنجيه الذي تفرّغ منذ فترة لهذه المهمة الحصرية وبدأ يدرس الخطوات اليها مع فريق عمله، زار الصرح الماروني التاريخي ليعلن نزوله الى ساح المعركة الرئاسية، ولكن نيل بركة بكركي، على اهمية نيلها، ليست السبب الأوحد الذي دفع فرنجيه الى هذا الظهور المؤجّل، إذ إن ثمة عوامل مخفية مستجدة دفعته الى هذا الفعل البروتوكولي اللازم.

ومن أبرز هذه الدواعي التي يجري تداولها في اوساط على صلة، ان فرنجيه أراد من خلال هذه الخطوة ان تكون استباقية وتمنع على خصميه المسيحيين اللدودين، اي “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية”، فرض أمر واقع في بكركي اولا وخارجها لقطع كل السبل امام الرحلة التي يمكن ان تؤمّن له فرصة الوصول الى قصر بعبدا. لذا لم يعد ممكناً أمام فرنجيه ان يظل كما نُصح تاركاً الصرح لخصميه الساعيَين بكل ما أوتيا من قوة الى منع وصوله.

وفي هذا الاطار، تتناقل الكواليس السياسية المحسوبة على فريق 8 آذار رواية مفادها ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط نبّه “حزب الله” عبر وفد من قيادة الحزب الذي التقاه قبل ايام في كليمنصو الى ضرورة التواصل العاجل مع شريك الحزب في “التفاهم” النائب جبران باسيل للحيلولة دون انزياحه الى تفاهم يتم نسج خيوطه بعيداً من الاضواء مع رئيس “القوات” سمير جعجع سعياً الى بلوغ هدفين:

الاول، سدّ المنافذ أمام الشخصية التي يتقاطعان على الاعتراض عليها، أي فرنجيه، لبلوغ قصر بعبدا.

والثاني، الشروع في إنفاذ خطة عنوانها العريض خلق “بلوك” مسيحي قوي أمام أيّ مرشح لا يناسب الطرفين.

ووفق المعلومات اياها ان زعيم المختارة قد بسط أمام الوفد الزائر معطيات تناهت اليه عن خطة يسعى اليها الطرفان لإقناع بكركي وسيدها بتغطيتهما في مسعاهما، لافتاً الى ان مبرراتهما تجد آذاناً صاغية في الشارع المسيحي.

ولم يكن “حزب الله” من النوع الذي تفوته هذه الوقائع والمستجدات، لذا تقاطعت هذه المعطيات مع الانطباعات التي عاد بها وفد الحزب الى ميرنا الشالوحي اخيرا من لقائه مع باسيل، اذ حرص الاخير على تأكيد واقعتين:

الاولى انه ماضٍ في خياراته الرئاسية وصامد عند قناعاته الاولى بشأنها.

والثانية ان يضمر شروطا واثمانا اذا ما قرر ان يعاود السيرة الاولى لعلاقاته التفاهمية مع الحزب.

والى ذلك، فان الحزب يرصد بدقة منذ فترة ان باسيل قد دخل في سباق مع الوقت لكي يلزم نفسه وقاعدته بكل خياراته الرئاسية المعروفة وبطرحه الابتدائي القائم على ضرورة البحث عن مرشح ثالث، ويصير مستحيلا عليه التجاوب مع مطالب الحزب وتوجهاته في هذا الشأن. وهو ما رفع منسوب التوجس عند الحزب من الاداء الاخير لباسيل الذي يرسل يوميا اشارات توحي انه انتقل من مربع الاعتراض الى مربع الهجوم عبر السعي الى مشروع جديد بالتفاهم مع “القوات” وبالشراكة مع بكركي.

ولا تخفي مصادر على صلة ان باسيل قد زاد وتيرة ادائه غير المرغوب فيه من الحزب بعدما أعاد الأخير بعث الحرارة في قنوات الاتصال مع بكركي، والذي تجلّى بزيارة التهنئة بالأعياد التي قام بها وفد قيادي من الحزب، وبعدما نجح ايضا في مد جسور الاتصال مع الفاتيكان إنْ عبر السفير البابوي السابق في بيروت، أو عبر الالتقاء بالسفير اللبناني في الفاتيكان الدكتور فريد الخازن.

وثمة من يرى ان الحزب وحليفه الرئيس نبيه بري وزعيم “المرده” فرنجيه قد انطلقوا في “هجوم مضاد” من خلال خطة مركّبة من عناصر عدة، اذ لم يكن فرنجيه هو الاول الذي لمّح الى المضي قدماً في خطة ترمي الى انتخاب رئيس جديد من دون اصوات الكتلتين المسيحيتين الكبريين (التيار والقوات). فلقد صار معلوما ان المساعد الاقرب للرئيس بري النائب علي حسن خليل سبق له ان جاهر باحتمال السير بهذا الخيار اذا ما نجح فرنجيه في جمع 65 صوتاً يصبّون له في صندوق الاقتراع الذي سيدور في جلسة الانتخاب في مجلس النواب، مؤكدا ان الامر هو موضع بحث جدّي.

في كل الاحوال، بدا جلياً ان ظهور فرنجيه من على منصة بكركي واطلاقه الكلام الذي اطلقه انما هو بداية اكيدة لمرحلة جديدة في مسار ملء الشغور الرئاسي.