Beirut weather 25.16 ° C
تاريخ النشر December 6, 2022
A A A
جلسة مجلس الوزراء انعقدت من دون غطاء مسيحي… وتكرارها الحتمي سيخلق أزمة حادّة في البلد !!
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

عُقدت جلسة لمجلس الوزراء امس، رغم كون الحكومة مستقيلة وتقوم بتصريف الأعمال بالمعنى الضيّق منذ ما قبل الشغور الرئاسي، والأهمّ من دون غطاء من الأغلبية الساحقة من المكوّنات المسيحية باستثناء حضور وزير الصناعة جورج بوشيكيان الذي خرج عن موقف حزب «الطاشناق»، وحضر الجلسة من تلقاء نفسه، الأمر الذي جعلها تُحقّق النصاب المطلوب لاتخاذ القرارات (أي حضور 16 وزيراً من أصل 24).

فالأحزاب المسيحية من «التيّار الوطني الحرّ» الى «القوّات اللبنانية» الى «الكتائب اللبنانية» الى «حزب الطاشناق» المعترضة على انعقادها، فضلاً عن موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الرافض لتغييب الدور المسيحي وتهميشه، وصفوها بجلسة ضرب الدستور والميثاقية، رغم عدم رفضهم لضرورة حلّ الأمور الصحيّة ودفع رواتب العسكريين وملف الاتصالات بمراسيم جوّالة من دون الحاجة الى اجتماع الحكومة. كما حضر الجلسة وزير الشؤون الإجتماعية هيكتور حجّار، من تلقاء نفسه أيضاً، مسجّلاً أنّه أراد التشديد على أنّها غير ميثاقية. وقد حاول من داخل الجلسة إقناع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعدم إكمالها، والذهاب بعد الظهر الى حوار للاتفاق على توجيه البوصلة لكيفية إدارة البلاد في المرحلة المقبلة من دون أي مشاكل، ومن دون تسجيل ربح هذا الطرف وخسارة ذاك، غير أنّه أكملها ما جعل حجّار يغادر الجلسة مع استمرار انعقادها.

في ظلّ هذه الأجواء «الطائفية» التي سادت البلاد، والخلاف التي رافقها على أحقيّة ودستورية وميثاقية عقد جلسة لمجلس الوزراء في ظلّ حكومة مستقيلة، لا تقوم سوى بتصريف الأعمال بالمعنى الضيّق أو عدمها، أكّدت مصادر سياسية مطّلعة بأنّ مجلس الوزراء لم يكن يجب أن ينعقد، بحسب ما ينصّ عليه الدستور أولاً، ولأنّه جرى التوافق ثانياً على ألا تتمّ الدعوة الى انعقاد جلسة من دون موافقة المكوّنات السياسية كافة… أمّا البنود الضرورية والملحّة التي جرى التذرّع بها لعقد الجلسة، فهي أمور غير طارئة ولا مفاجئة ولا استثنائية، أي خلافاً لما قيل، بل كانت تجري المطالبة بحلّها، قبل مغادرة رئيس الجمهورية قصر بعبدا، إلّا أنّ أحداً لم يكن يوافق على الدعوة لانعقاد الجلسة لعدم «تعويم الحكومة» وتحميلها مسؤولية ما يجري في البلاد.

أمّا الوزير بوشيكيان الذي سُمي بالوزير «الملك»، والذي خرج عن الإجماع المسيحي، وعن قرار الوزراء التسعة الذي أعلنوه في بيان عشية انعقاد الجلسة الرافض لانعقادها وللمشاركة فيها، كما لم يُعلم أمانة حزب «الطاشناق» بقراره حضور الجلسة، فرأت المصادر أنّه كان «الوزير الملك» في جلسة الاثنين، غير أنّ عدم حضوره الجلسات اللاحقة التي ينوي ميقاتي الدعوة اليها تحت عنوان «الضروريات»، يُفقد أي جلسة أخرى نصابها القانوني. علماً بأنّ انعقادها في الأساس لم يكن قانونياً ولا دستورياً لاعتبارات عديدة.

وقالت المصادر نفسها انّ مثل هذه المناكفات السياسية التي لم تشهدها أي حكومة تصريف أعمال منذ «اتفاق الطائف» وحتى اليوم، لن تخدم مصالح الناس والبلاد، إذ يمكن حلّ بعض الملفات العالقة من خلال المراسيم الجوّالة، على غرار ما حصل في ظلّ وجود الرئيس العماد عون في قصر بعبدا، وفي ظلّ حكومة تصريف الأعمال. ولهذا، فإنّ تكرار الدعوة الى عقد جلسات لمجلس الوزراء من شأنه أن يخلق أزمة سياسية حادّة في البلاد، نحن بغنى عنها في هذه المرحلة بالذات، إذ لا أحد يعرف الى أين ممكن أن تصل الأمور. فالدستور والأعراف والقوانين لا تقضي بانعقاد حكومة تصرّف الأعمال ومستقيلة منذ انتخاب المجلس النيابي الجديد ولم تنل ثقته، لا سيما في ظلّ الشغور الرئاسي، إلّا للضرورة القصوى. وكلّ ما جرت الموافقة عليه خلال الجلسة لم يكن طارئاً، وإلّا لما جرى تخفيض عدد بنود جدول الأعمال من 300 بند، الى 65، ومن ثمّ الى 25. فهذا الأمر يؤكّد على عدم الضرورة الملحّة لهذه البنود، وأنّ الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء كان الهدف الأساسي منه تعويم الحكومة تحت ستار «الضرورات القصوى والاستثنائية»، والتحسّس مع أوضاع المواطنين الإنسانية لا سيما الصحيّة منها.

وأوضحت المصادر أنّه إذا سلّمنا جدلاً بأنّ مجلس الوزراء مجتمعاً يحلّ مكان رئيس الجمهورية بالوكالة، وعادة تتمّ دراسة جدول أعمال الجلسة الوزارية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، فخلال الدعوة الحالية لم يتمّ تشاور مجلس الوزراء مع الوزراء أنفسهم في بنود الجدول، بل جرى وضعه ومن ثمّ تخفيض عدد بنوده للإبقاء على ما هو ضروري، من وجهة نظر الموافقين عليه. وهنا جرى تغييب دور رئيس الجمهورية الذي هو رمز وحدة البلاد، كما مجلس الوزراء مجتمعاً، فضلاً عن ضرب مقتضيات العيش المشترك والميثاقية.

وذكرت المصادر عينها أنّ المادتين 84 و85 من الدستور، تسمحان بإقرار الإعتمادات الإستثنائية، إذا كانت هذه إحدى ذرائع عقد جلسة لمجلس الوزراء. ويقتضي ذلك اجتماع مجلس النوّاب فيما يُعرف بتشريع الضرورة لتوفير الإعتماد المطلوب. فهذا هو المخرج الأنسب للاعتماد الاستثنائي، بدلاً من الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء. فيما استكمال مجلس الوزراء لعمله من خلال الدعوة الى عقد جلسات لاحقة، وهذا ما أعلن ميقاتي عن أنّه سيلجأ اليه في الحالات الضرورية، في ظلّ خلو منصب رئيس الجمهورية، لا يعني فقط تغييب الدور المسيحي الأول في البلاد، إنّما التأكيد على أنّ البلد يمكنه الإستمرار من دون الرئيس، وهنا تكمن الخطورة التي تخشاها الأحزاب المسيحية والبطريرك الراعي.

ولهذا تجد المصادر أنّه على مجلس النوّاب الذهاب الى انتخاب رئيس الجمهورية سريعاً، لأنّ البلاد لا ينقصها أزمة جديدة تُضاف الى أزماتها الإقتصادية والمالية والمعيشية والإستشفائية، فضلاً عن أزمة انقطاع الماء والكهرباء وغلاء الأسعار، لا سيما المحروقات والسلع الغذائية وغير ذلك… فالأوضاع الإنسانية على مستوى لبنان ككلّ، أكانت تتعلّق بصحّة المواطنين، أو برواتب العسكريين، أو بالإنترنت تتطلّب اليوم انتخاب رئيس، أكثر ممّا تستدعي انعقاد مجلس للوزراء لتمرير البنود التي يودّون إقرارها وتتعلّق بالحصول على الإعتمادات، في الوقت الذي بالإمكان إيجاد الحلول الأسهل والأسرع من خلال المراسيم الجوّالة.