Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر September 20, 2021
A A A
مصدر رسمي مالي رفيع يشرح آلية صرف المبلغ الذي حصل عليه لبنان من البنك الدولي “بطريقة شفافة”
الكاتب: ابراهيم بيرم - النهار

كما هي العادة حيال أي مستجد طارىء يتصل بالمالية العامة للدولة تتشعب الآراء وتنقسم الرؤى ويرتفع منسوب الشكوك بـ”نزاهة” الاداء الرسمي ومدى التزامه معايير الشفافية، وينطلق على الفور حبل الكلام والتأويلات عن مصير حالك يرتبط بمسارات الإنفاق والصرف وما يتشعب عنها من محاصصات وتنفيعات وهدر باتت كلها مفردات لصيقة بهذه العمليات.
“ثورة الشك” اياها مقرونة بالرجم بحجارة الاتهامات ما لبثت ان غزت بالامس القريب الاوساط السياسية والاعلامية فور اعلان المكتب الاعلامي في وزارة المال عن تبلّغ الوزير الجديد الدكتور يوسف الخليل من الجهات المأذون لها في مصرف لبنان عن تلقّي المصرف مبلغ مليار و136 مليون دولار هي عبارة عن حصة لبنان الطبيعية من البنك الدولي.
من البديهي ان ثمة من سارع إلى الاستثمار السياسي لهذا الحدث، فأطلق مقولة فحواها ان المبلغ المشار اليه ما تلقّاه لبنان إلا كنوع من الدعم والاسناد الدوليين لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي بناء على تشخيص مسبق جوهره ان هذه الحكومة ما قيّض لها ان تبصر النور بعد المخاض الصعب والعسير لولادتها إلا بناء على تفاهم غربي – اقليمي، وقد دخلت واشنطن على الخط بتشجيع ومباركة خفيّين وذلك بهدف واضح هو الحيلولة دون تسجيل مزيد من الانهيارات في الوضع اللبناني، وتاليا وقف التدهور المالي والاقتصادي الذي وضع لبنان على شفا حفرة من التهلكة والارتطام.
وعليه فان السؤال المطروح بإلحاح تباعاً هو: هل ان فرضية “الدعم والإسعاف الدولي العاجل” تنطبق على هذا المبلغ الوافد للتو، أم ان للدخول الجدي والبعيد عن المشاغبة والتوظيف السياسي على هذا المبلغ ابوابا ومداخل اخرى أكثر واقعية؟
على هذا يجيب مصدر مالي رسمي رفيع في تصريح لـ”النهار” بالقول: “استهلالا نقول، منعاً لاي التباس ودرءاً لاي تأويل خاطىء، ان حصول لبنان على مبلغ المليار والـ 136 مليون دولار هو حق طبيعي وتطور روتيني. فآلية عمل البنك الدولي تفرض عليه ان يصرف سنويا وبشكل دوري مبالغ للدول الاعضاء (يتجاوز عددها الـ 120 دولة) تتناسب مع قيمة الاشتراكات السنوية التي تؤديها هذه الدولة لخزينة البنك، اي ضمن حسبة معينة. ومن محاسن الصدف انه حان الآن دور لبنان في الحصول على هذا المبلغ المستحق له. ولقد كان امرا بليغا ومهما ان يأتي المبلغ اياه في وقت ذروة المعاناة المالية والاقتصادية التي تعصف بلبنان بفعل الانهيار والعجز المتوالي منذ نحو عامين، فبدا الامر وكأنه عناية إلهية ونجدة من السماء لتقديم يد العون لهذا الوطن الذي نقول، للاسف، إنه منكوب”.
وحول ما يقال عن أن قيمة المبلغ المستحق للبنان لا تتجاوز اصلا الـ 800 مليون دولار إلا بقليل فمن أين أتى المبلغ الاضافي؟
أجاب المصدر اياه: “مبدئيا هذا صحيح، ولكن الذي حصل هو انه كانت للبنان في ذمة البنك الدولي مبالغ بموجب نظامه الداخلي تعود إلى عام 1998، وما حصل حينذاك هو اننا لم نستفد منها ونحصل عليها فأضيفت تلقائيا إلى المبلغ الذي استحق لنا اخيرا ليرتفع المبلغ إلى رقمه الحالي”.
وعن الطريقة المأمونة والسليمة والتي لا يرقى اليها الشك لصرف هذا المبلغ على نحو يساهم في حلحلة الازمة الخانقة؟ اجاب المصدر عينه: “الثابت ان ليس هناك لائحة شروط او وصفة جاهزة معدّة ومفروضة سلفا تلزم لبنان بطريق صرف وإنفاق معيّنة. ولكن العنوان العريض الذي يتعين السير على هديه هو الصرف بمنطق وعقلانية وشفافية ودقة”.
وإلى من تعود سلطة صرف هذا المبلغ؟ اجاب: “السلطة الاساسية هي الحكومة التي لها حق التقرير ثم يوقّع وزير المال ليصبح قرار الصرف ساريا. اما سلطة مصرف لبنان فهي سلطة ذات طبيعة استشارية”.
ولمزيد من التوضيح أضاف المصدر: “نحن وقبل صرف اي جزء من المبلغ اياه يتعين على الحكومة ممثلة بوزير المال ان يستفتي السلطات النقدية العليا، اي مصرف لبنان، سلفا عما يمكن ان يسببه الصرف على مسائل مثل التضخم المالي وعلى مسألة ارتفاع معدل البطالة وما يرتبط بهما من قضايا”.
ورداً على سؤال أجاب: “ان آلية الصرف يُفترض ان تؤمّن وتضمن شبكة امان لإنفاق المبلغ المذكور او اجزاء منه، ويُفترض ايضا ان تبدد الهواجس والمخاوف حول ضياع هذا المبلغ واهداره في متاهات الإنفاق غير المأمون و/او التي يكتنفها الغموض والالتباس”.
وأضاف: “اننا نعرف تماما وبالتفاصيل ما يعتري سوق النقد في لبنان من مشاكل وثغرات، ونعي ايضا ان المصرف المركزي والدولة تحاصر اداءهما تهمٌ وشبهات شتى بفعل ما آلت اليه الامور والاوضاع في العامين الاخيرين، وبفعل الانهيار المالي. لذا فاننا نفترض ان الحكومة الوليدة حريصة كل الحرص على تقديم نماذج شفافة ومثمرة في عمليات الصرف والإنفاق من شأنها ان تبدد هذه الصورة النمطية وتحسّن وجه الدولة ومؤسساتها المعنية”.
وأوضح المصدر: “ثمة عنصر امان آخر يضمن شفافية صرف المبلغ، ويتجسد في ان البنك الدولي نفسه ليس من اختصاصه ان يرسم لنا خريطة طريق لصرف المبلغ ولكن لديه صلاحية مساءلتنا عن كيفية الصرف والإنفاق ومن حقه ايضا الرصد والمتابعة”.
وخلص إلى القول: “صحيح ان وصول المبلغ من البنك الدولي في هذا التوقيت بالذات شكّل عنصر اطمئنان وارتياح للمواطن وعزز قيمة موجودات الدولة بالعملة الصعبة وانعكس في نواح شتى على تعزيز وضع العملة الوطنية في مقابل العملات الصعبة، ولكن ذلك على بلاغته المطلقة لا يفترض ان يكون خاتمة المطاف والاحزان للحكومة، اذ يتوجب عليها بعد نيلها الثقة المسارعة إلى تقديم خطة علمية مقنِعة تظهر للمواطن ماذا تعتزم هذه الحكومة ان تبادر لاستعادة الثقة واعادة انهاض اقتصاد البلاد وماليتها العامة، وتبدد ما خلّفه هذا التدهور المريع. ذلك هو التحدي الاكبر وتلك هي مساحة الاختبار”.