Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر May 9, 2021
A A A
هل أميركا مستعدة لحرب نووية ضد الصين التزاماً بالدفاع عن اليابان؟
الكاتب: عربي بوست

نعم، الصراع بين أميركا والصين أمر واقع، فهل واشنطن مستعدة فعلاً لاستخدام ترسانتها النووية للدفاع عن حلفائها في آسيا، كما قال بايدن بشأن اليابان؟

هذا التساؤل طرحه موقع Responsible Statecraft الأميركي، وليس وسيلة إعلام صينية، في تقرير له توقف عند الالتزامات الأميركية من واقع معاهدات الدفاع الموقعة مع حلفاء مثل اليابان والفلبين، إضافة إلى التصريحات المتعلقة بتايوان، التي تعلن الصين أنها مصممة على إعادة ضمها للبر الرئيسي.

هذا التساؤل الاستراتيجي ليس افتراضياً في حقيقة الأمر، بل أعادته للصورة القمة الأميركية اليابانية مؤخراً، فقد استقبل الرئيس جو بايدن رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوغا في واشنطن، وأصدرت الحكومتان الأميركية واليابانية بياناً يمكن وصفه بالمعتاد.

 

 

الصين تطرح السؤال على أميركا
لكن البيان الذي صدر عن قمة بايدن وسوغا تضمَّن جملةً واحدةً لفتت نظر بكين بالفعل، وهي عبارة: “أعلنت الولايات المتحدة دعمها الثابت للدفاع الياباني بموجب المعاهدة الأميركية اليابانية للتعاون والأمن المُتبادَل، باستخدام مجموعة كاملة من قدراتها، بما في ذلك القدرة النووية”.

وقد دفعت هذه العبارة الصينيين لأن يوجهوا سؤالاً يبدو بديهياً: هل الولايات المتحدة مستعدة حقاً لخوض حرب نووية مع جمهورية الصين الشعبية بسبب خلاف إقليمي بين الصين واليابان؟

وبحسب تقرير الموقع الأميركي، فإن السؤال الذي طرحته بكين بشأن الخلاف مع اليابان يمكن تكراره بشأن بلاد ومناطق أخرى جميعها في المحيط الإقليمي للصين، بينما يبعد عن حدود الولايات المتحدة نفسها آلاف الأميال، والقصة هنا هي أن إدارة بايدن تنشر بحرية الضمانات الأمنية في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

فعلى سبيل المثال، في القمة المنعقدة بين بايدن وسوغا مؤخَّراً، أعادت الحكومتان “التأكيد على أن المادة الخامسة من المعاهدة (التي تلزم كلا الطرفين بالعمل لمواجهة الأخطار المشتركة) تنطبق على جزر سينكاكو”، أي أن واشنطن مستعدةٌ للحرب، وقد تستخدم الأسلحة النووية، للدفاع عن خمس جزر وثلاث مناطق للشعاب المرجانية بلا سكان ولا قيمة لها سوى السيادة التي تمنحها على الموارد المحيطة، وهو الإقليم الذي تطالب به جمهورية الصين الشعبية، ولكن اليابان ترفض حتى مناقشة الأمر معها.

 

 

الفلبين أيضاً سؤال آخر قد تطرحه الصين
وربما ينطبق المنطق نفسه على الفلبين أيضاً، إذ تطالب مانيلا بالعديد من الصخور والجزر الصغيرة والمياه الضحلة والشعاب المرجانية التي حاصرتها الصين واستولت عليها.

ورغم أن تلك المناطق لا تهم الفلبين كثيراً، ناهيكم عن الولايات المتحدة، فإن المتحدث باسم البنتاغون نيد برايس، قال إن “هجوماً مسلحاً ضد القوات المسلحة الفلبينية أو السفن أو الطائرات العامة في المحيط الهادئ، بما في ذلك بحر الصين الجنوبي، سيؤدي إلى تنفيذ التزاماتنا بموجب معاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة والفلبين”.

وبحسب موقع Responsible Statecraft، فإن هذا الالتزام الذي عبر عنه برايس نيابة عن إدارة بايدن يضع واشنطن في مواجهة الصين للدفاع عن دولة يحكمها رئيس يميني (الرئيس دوتيرتي الملقب بترامب مانيلا) وتمتلك جيشاً ضعيفا، ويضطر إلى إرسال عدد كبير من مواطنيه إلى الخارج للعمل للإبقاء على حيوية الاقتصاد، للدلالة على أن سبب النزاع إقليمي من الأساس ولا يستدعي التلويح بحرب نووية ضد الصين.

والأمر ذاته ينطبق على تايوان، التي لا تكاد تبعد عن الصين 100 ميل (المسافة نفسها التي تفصل الولايات المتحدة عن كوبا). وتقع جزيرة كينيمن التي تسيطر عليها تايوان على بُعدِ ستة أميال فقط من الساحل الصيني، ويمكن مشاهدة مدينة شيامن من الساحل الصيني بسهولة.

صحيح أن واشنطن ألغت معاهدة الدفاع المشترك مع تايوان بعد تحويل الاعتراف الدبلوماسي إلى جمهورية الصين الشعبية، إلا أن واشنطن منذ ذلك الحين تتبنى سياسة “الغموض الاستراتيجي”، أي ترك الجميع ليخمِّنوا ما إذا كانت أميركا ستدافع عن تايوان إذا تعرَّضَت الأخيرة لهجوم من قِبَل جمهورية الصين الشعبية.

ودفعت إدارة ترامب باتجاه علاقاتٍ عسكرية أوثق مع تايوان، بينما أصرَّ مُحلِّلو السياسة الخارجية بشكلٍ متزايد على أن تدافع واشنطن عن تايوان، بغض النظر عن التكلفة.

وحتى الآن لم تقل إدارة بايدن الكثير بشأن تايوان، لكنها بشكل عام تقف في نفس النقطة التي كانت تقف فيها إدارة ترامب فيما يخص مواجهة الصين، ويكاد يكون من المؤكَّد أن أيَّ نزاعٍ على الجزيرة سيشمل البرَّ الرئيسي، مِمَّا يجعل التصعيد أمراً لا مفر منه واستخدام الأسلحة النووية أكثر احتماليةً.

 

 

هل تهديدات أميركا للصين مبررة؟
تقرير الموقع الأميركي تناول القصة بصورة أكثر شمولية، معتبراً أن صانعي السياسات في واشنطن يهددون بشكلٍ روتيني بالحرب مع بكين دون التفكير بجديةٍ في إمكانية الخسارة، أو مناقشة ما إذا كانت التكاليف تستحق الفوائد، أو استشارة الجمهور الأميركي.

وكان جنرال صيني قد طلب من دبلوماسي أميركي ذات مرة أن تسأل الحكومة الأميركية شعبها عما إذا كان (الشعب) على استعدادٍ للمخاطرة بلوس أنجلوس لصالح تايوان، (لم تكن النقطة أن بكين ستتصرَّف بشكلٍ هجومي، لكنها ستقف بحزمٍ على الرغم من خطر التصعيد)، بحسب تقرير الموقع الأميركي.

وعلى سبيل المثال، رأى ليون بانيتا، وزير الدفاع السابق ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، في ندوةٍ عبر الإنترنت مؤخَّراً، أن الوقت قد حان لواشنطن لرسم بعض الخطوط. فقال مثلاً: “لن نسمح للصين بغزو تايوان وتقويض استقلالها”، وأضاف في موضع آخر: “لا يمكنك عسكرة هذه الجزر في بحر الصين الجنوبي، ولا يمكنك انتهاك القوانين الدولية فيما يتعلَّق بحرية البحار، ولن نسمح بفعل ذلك”.

لإيقاف الصين، سيحتاج الأميركيون فقط إلى رفع إصبعٍ صغير، فأضاف بانيتا: “أعتقد بصراحة أنه إذا فهمت الصين أننا جادون في ذلك، فإنها لن تفعل ذلك. قد تكون أشياء كثيرة، فهم ليسوا أغبياء. يجب أن يحصلوا على تلك الإشارة بأن الولايات المتحدة لاعبٌ أساسي في المحيط الهادئ، وأننا نمثِّل قوةً في هذا المحيط”.

 

 

هل التقييم الأميركي لرد فعل الصين دقيق؟
وتساءل تقرير Responsible Statecraft: ولكن ماذا لو كان ذلك يضاعف من الأوهام ليس إلا؟

أولاً، الصينيون جادون بشأن تايون والممرات التجارية القريبة، والتي تهم الصين أكثر بكثير من الولايات المتحدة، التي تبعد حوالي 8 آلاف ميل، وتكررت تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ بشأن استعداده لاستخدام القوة المسلحة لغزو تايوان إذا كان هذا هو الخيار الوحيد مع إقراره بأنه يفضل إعادة ضم الجزيرة بالسبل السلمية.

وفي هذا السياق، قال قائد القوات الأميركية في المحيط الهادئ السابق الجنرال فيليب دافيدسون للكونغرس في مارس/آذار الماضي، إنه يتوقع أن تقدم بكين على غزو تايوان (التي تعتبرها الصين جزءاً منها) خلال ست سنوات على أقصى تقدير، بحسب تقرير لموقع Vox الأميركي، وهو ما يجعل السؤال بشأن مدى استعداد واشنطن للدخول في مواجهة عسكرية – نووية على الأرجح – للدفاع عن تايوان.

وبالعودة إلى تقرير موقع Responsible Statecraft نجد أنه وضع سيناريو معكوساً للموقف: تخيَّل ردَّ فعل بانيتا إذا كانت السفن الصينية تقوم بدورياتٍ خارج الحدود الأميركية الإقليمية البالغ عمقها 12 ميلاً على الساحل الشرقي ومنطقة البحر الكاريبي، وأن قادة الصين يصرون على أن تتخلَّى واشنطن عن سلوكها العدواني تجاه كوبا، ويناقشون الاستعداد للحرب ضد الولايات المتحدة.

والنقطة الثانية هي أنه من غير المُحتَمَل أن يقبل الأميركيون من واشنطن أن تشن حرباً ضد الصين إلا إذا كان ذلك لسبب مباشر يتعلق بالمصالح الأميركية نفسها، إذ إن افتراض صانعي السياسة الأميركيين أن العم سام سيقود تحالفاً دولياً جديداً ورائعاً لسحق التهديد الأحمر ليس افتراضاً يقوم على الحقائق الفعلية على الأرض الآن، والأمثلة على ذلك كثيرة.

وقد يكون أوضح مثال هو رفض رئيس الوزراء الياباني سوغا أن يلتزم بإرسال قوات بلاده للدفاع عن تايوان في مواجهة الصين، وذلك في صيغة بيان القمة الصادر بعد لقائه الأخير مع بايدن، وجاء في البيان: “لا تُفتَرَض مُسبقاً أيُّ مشاركةٍ عسكرية على الإطلاق”.

وعلى الرغم من أن سوغا برر ذلك بأنه لا يريد استفزاز الصين للقيام بهجماتٍ صاروخية على القواعد الأميركية في اليابان، فإن السبب ربما يكون ما هو أكثر من ذلك. وهناك أيضاً حالة كوريا الشمالية، حيث لا تصدر بيانات عن كوريا الجنوبية تنتقد حقوق الإنسان في بيونغ يانغ، عكس موقف واشنطن.

الخلاصة هنا هي أن إدارة بايدن تبدو كما لو أنها تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وتكرار أجواء الحرب الباردة السابقة بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، لكن الزمن لا يعود إلى الوراء، والعالم اليوم لم يعد عالم ما قبل 1990.