Beirut weather 27.41 ° C
تاريخ النشر January 23, 2021
A A A
تحرّك مُتوقّع على خط بعبدا ــ بيت الوسط الأسبوع الطالع
الكاتب: ناجي س. البستاني - الديار

يَستغرب الكثيرون هذا التشدّد المُتبادل على خط تشكيل الحُكومة، وهذا التعثّر المُتمادي في تجاوز عراقيل التأليف، بين فريق رئيس الجُمهوريّة العماد ميشال عون ومن خلفه «التيّار الوطني الحُرّ» من جهة، وفريق رئيس الحُكومة المُكلّف النائب سعد الحريري ومن خلفه «تيّار المُستقبل» من جهة أخرى، في الوقت الذي تُعاني فيه أغلبيّة اللبنانيّين من صُعوبات ومشقّات حياتيّة وإجتماعيّة كبرى، إلى درجة أنّ شرائح واسعة سقطت تحت خط الفقر والعوز، والشرائح الباقية تقترب بدورها وبوتيرة سريعة من الوُصول إلى هذا الدرك. فما هو سرّ هذا التشبّث في المواقف، من دون الإستماع إلى صرخات الإستغاثة الآتية من كل حدب وصوب على كامل مساحة لبنان؟!

بحسب أوساط سياسيّة إنّ سبب هذا العناد المُتبادل، هو تعامل كلّ من «التيّار الوطني الحُرّ» و«تيّار المُستقبل» مع ملف تشكيل الحكومة، وكأنّه مسألة حياة أو موت! وأوضحت أنّ فريق رئيس الجمهوريّة يعلم جيدًا أنّ الحُكومة المُقبلة هي الأخيرة في عهد العماد عون الرئاسي، أي أنّها تُمثّل عمليًا الفرصة الأخيرة لهذا الفريق لتحقيق مُطلق أي إنجاز قد يُنقذ ماء وجه كامل الفترة الرئاسيّة. وأضافت الأوساط نفسها أنّ «التيّار» يُدرك تمامًا أنّ عدم منحه حصّة كبرى على صعيدي العدد ونوعيّة الحقائب، سيحرمه من الإمساك بدفّة التوجيه خلال الفترة الزمنيّة المُتبقيّة من ولاية الرئيس عون، وسيحرمه أيضًا من تجيير أي إنجازات يُمكن أن تتحقّق في المُستقبل لصالح «التيّار»، وسيجعله يدخل إستحقاقي الإنتخابات النيابيّة والرئاسيّة المُقبلين بوضعيّة ضعيفة، الأمر الذي سيرتدّ سلبًا على هدف «التيّار» بالفوز بأكبر كتلة نيابية مسيحيّة في الإنتخابات البرلمانيّة المُقبلة، وكذلك على طموحات رئيس التيّار النائب جبران باسيل الرئاسية.

وأشارت الأوساط السياسيّة نفسها إلى أنّ فريق رئيس الحكومة المُكلّف يعلم جيّدًا من جهّته، أنّ إستبعاد الحريري عن السُلطة التنفيذيّة في هذه المرحلة، وحرمانه من وزارتي العدل والداخليّة، يعني إمكان تحويل «الحريريّة السياسيّة» إلى كبش فداء لكل الفشل المُتراكم للسُلطات المُتعاقبة منذ عُقود، من دون إستبعاد الذهاب نحو مُحاكمة رموز هذا الفريق السياسي، وتقديمهم كمسؤولين عمّا طال اللبنانيّين من مآس إقتصاديّة وماليّة، إلخ. وأضافت الاوساط أنّ رئيس «تيّار المُستقبل» يريد أيضًاأن يلعب دور المُنقذ، من خلال إستغلال أيّ مُساعدات مالية أو قروض سيتمّ جلبها إلى لبنان مُستقبلاً، لإعادة تعويم نفسه وتيّاره شعبيًا، خاصة على أعتاب الإنتخابات النيابيّة والبلديّة المُقبلة، حتى لو لم تحصل أيّ منها في موعدها. وتابعت أنّ «تيّار المُستقبل» يريد أن يكون مُمسكًا بمنصب رئاسة السُلطة التنفيذيّة، وبمنصب وزارة الداخليّة، عند الوُصول إلى موعد الإستحقاقات الإنتخابيّة المُقبلة، وكذلك في حال الدُخول في مرحلة فراغ رئاسي عند إنتهاء ولاية الرئيس عون، من دون النجاح في إنتخاب الخلف في الوقت المُناسب.

ورأت الأوساط السياسيّة أنّه إنطلاقًا ممّا سبق، من الصعب توقّع تنازل أيّ من الطرفين عن مطالبهما بسهولة، خاصة في ظلّ إنعدام الثقة كليًا بينهما، وتحديدًا في ظلّ تسرّب معلومات من خلف الكواليس عن أنّ «تيّار المُستقبل» يُحضّر مع بعض القوى السياسيّة الفاعلة لتأمين إنتخاب رئيس مُقبل للجمهوريّة، من خارج صُفوف «التيّار الوطني الحُر» وحتى من خارج وصايته، في مُقابل تحضير «التيّار» المَذكور لإبعاد «المُستقبل» عن السُلطة. وإذ أكّدت الأوساط أنّ الوساطات لن تتوقّف على الرغم من الكباش الحاصل والمُستمرّ منذ أكثر من ثلاثة أشهر، لفتت إلى أنّ الحكومة لا بُدّ وأن تُولد في نهاية المطاف. وقالت إنّ هذا الأمر سيحصل فور إقتناع كلّ من «التيّار» و»المُستقبل» أنّه لن يكون بإمكانهما إلغاء الآخرين، وأنّ مصلحتهما المُشتركة تقضي بالتعاون، بهدف إنقاذ ما يُمكن إنقاذه، ليس على مُستوى لبنان فحسب، بل على مُستوى مصالحهما السياسيّة والحزبيّة والشعبيّة الضيّقة أيضًا.

وتوقّعت الأوساط السياسيّة أن يشهد الأسبوع الطالع، وعلى الرغم من المواقف والبيانات والتسريبات المُتبادلة أمس الجمعة، تحرّكًا جديًا على خط بعبدا بيت الوسط، من قبل أكثر من وسيط، في مُحاولة لكسر الجُمود الحاصل في الملفّ الحُكومي، خاصة وأنّ سرعة الإنهيار الداخلي باتت أسرع من إنتظار أيّ محطّات أو تغييرات، خارجيّة أم إقليميّة أم حتى داخليّة، بشكل يُهدّد بسُقوط الهيكل على رؤوس الجميع من دون إستثناء. وختمت كلامها بالقول إنّ أجواء التشاؤم الحاليّة يُمكن أن تنقلب بلحظة إلى أجواء تفاؤل، في حال حُصول أي نوع من التنازلات المُتبادلة، علمًا أنّ المخارج الوسطيّة يُمكن أن تتأمّن بمُجرّد إقتناع الطرفين أنّ مصلحتهما المُشتركة تقضي بالتوافق المَصلحي ولوّ على مضض، لأنّ شعبيّتهما على المحكّ، في حال كانا غير آبهين بأنّ مصير لبنان كلّه بات على المحكّ!