Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر April 6, 2020
A A A
64 في المئة من اللبنانيين فقراء! مَن يحجب 450 مليون دولار جاهزة للصرف؟
الكاتب: سابين عويس - النهار

في ما عدا صندوق التبرعات، والمساعدة المالية، لا ترقى المعالجات الحكومية الى المستوى المطلوب الذي يقي اللبنانيين، ولا سيما منهم الفقراء ومن هم دون خط الفقر، العوز، بعدما ضربت ازمة كورونا، واجراءات الحجر المنزلي والتعبئة العامة أيَّ إمكان لهؤلاء لتأمين حاجات معيشتهم اليومية، فيما تغطي المبادرات الخاصة جزءا من هذه الحاجات وليس كلها.
حتى الآن، لا يشغل الحكومة الا إبراز انجازاتها على مستوى احتواء تفشي الفيروس ومنع توسع انتشاره، وكان يوم الأحد الطويل امس مخصصاً لاستقبال اللبنانيين العائدين من الخارج. ولكن ماذا عن المرحلة الانتقالية والإعداد لما بعد كورونا، وهل لدى الحكومة أي تصور في هذا المعنى لم تكشف النقاب عنه في انتظار ان يبدأ استهدافها لتحرك اجهزتها والمستشارين لمواجهة التداعيات الكارثية التي بدأ عدد غير قليل من الخبراء والاختصاصيين في مجال السياسات العامة يحذرون منها؟
منذ اربعة اعوام، ومستويات الفقر ترتفع على نحو لافت، مما دفع البنك الدولي الذي يعمل مع المؤسسات اللبنانية المعنية من خلال برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً، الى إصدار تقرير خطير في نهاية تشرين الثاني الماضي، حذّر فيه من ان تصل نسبة الفقر الى 50 في المئة اذا تفاقم الوضع الاقتصادي، كما حذر من ارتفاع نسبة البطالة ولا سيما بين الشباب، وان الطبقتين الفقيرة والوسطى ستكونان الأكثر تضرراً، محذراً ايضاً وايضاً من دخول البلاد في دوامة انكماش سلبي يلقي بتداعيات اجتماعية ومعيشية ستزيد حتماً معدلات الفقر والبطالة.
لم تلقَ تلك التحذيرات اي صدى على المستوى الرسمي، بل جاء الانشغال بمواجهة الانتفاضة الشعبية، ومن ثم بالكورونا، ليغيّب هذا الموضوع عن رادار الحكومة، علما ان عدّاد الفقراء يزيد، حتى بلغ مستوى دفع الناس المخيّرين بين الموت من الجوع او من الوباء، الى ان يفضلوا الوباء فقط لكي يتمكنوا من الخروج من منازلهم لتأمين لقمة العيش، او حفنة الدولارات المسموح بها أسبوعياً!
امام مخاطر كورونا على الشعوب، تحركت دول العالم، المقتدرة منها وغير المقتدرة، فقدمت المقتدرة منها رزماً تحفيزية كبيرة لدعم بقاء الناس في منازلهم، ودعم استمرارية الشركات، فيما لجأت الدول غير المقتدرة الى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي الذي وضع برنامج مساعدات مالية للدول المحتاجة، قيمته 50 مليار دولار، وقد تقدمت اليه 81 دولة طلباً للمساعدة.
حتى الآن، وعلى رغم دقة الظروف المعيشية والاجتماعية للأسر اللبنانية، لم يطلب لبنان مساعدة الصندوق، فيما المساعدات المقررة ضمن برنامج دعم الأسر لم تتوسع لتطاول التزايد الحاصل في عدد الأسر المحتاجة.
بحسب الأرقام المتوافرة، تستفيد من البرنامج اليوم 43 ألف أسرة من منح مختلفة. وتقدَّر نسبة الفقراء اليوم بـ42 في المئة، فيما تبلغ نسبة الذين يعيشون في الفقر المدقع، اي بأقل من دولارين في اليوم، 22 في المئة، وفق آخر إحصاءات البنك الدولي، الذي خصص للبنان ضمن البرنامج 450 مليون دولار مقابل توسيع قاعدة البيانات من 150 ألفا الى 300 ألف.
والأسئلة الملحّة المطروحة اليوم: اين الحكومة من هذا البرنامج، وهل قرارها بتأمين مساعدات مالية بقيمة 400 الف ليرة يندرج ضمنه ام انه من موازنة الدولة؟ واذا كانت هذه هي الحال، من اين ستؤمّن الحكومة المال، وما هي المعايير التي اعتمدتها لاختيار الاسر التي ستستفيد من هذا الدعم، ومن هي الفئات المستهدفة، ومتى يبدأ تطبيق هذا الدعم، وما قيمته الإجمالية؟
مصادر مطلعة في وزارة المال كشفت ان الحديث مع صندوق النقد كان بدأ قبل نحو شهرين، من اجل الاستفادة من التمويل الموضوع لمساعدة الدول ذات الدخل المتدني، المتضررة من جراء تفشي الوباء. ولكن لبنان لم يتمكن من الإفادة من هذا الدعم لأن الصندوق لا يصنفه ضمن الدول ذات الدخل المتدني، بل المتوسط، فنسبة الدَّين الى الناتج مرتفعة، كما ميزان المدفوعات. لذلك كان من الصعب الحصول على المساعدة. اما بالنسبة الى البنك الدولي، فتقول المصادر ان مسؤوليه ابلغوا السلطات اللبنانية منذ اكثر من 3 أسابيع انه جاهز للمساعدة الفورية ضمن الاعتماد البالغ 450 مليون دولار، منه 200 مليون على شكل هبات، و250 مليونا على شكل قروض ميسرة.
كما ان البنك وضع في تصرف لبنان فورا مبلغ 120 مليون دولار، بعدما كان المبلغ 159 مليونا، وسحبت الحكومة 39 مليوناً لتغطية تكاليف طبية متصلة بالكورونا. وقد أمّن المجلس النيابي صرفها فوراً ويمكن بالتالي استعمال المبلغ المتبقي.
هذا الواقع يطرح اكثر من علامة استفهام عن الأسباب التي تمنع الحكومة من استعمال هذه الأموال الجاهزة، بهدف مواجهة التداعيات الخطيرة المرتقبة على المجتمع اللبناني من جراء استمرار حال الحجر المنزلي وتوقف العجلة الاقتصادية. وهل هذا يعود الى خلفيات سياسية تتصل بمن سيستفيد من الأموال؟