Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر February 22, 2020
A A A
ماذا بعد طلب لبنان المشورة التقنية من صندوق النقد؟ الدعم مرتبط بقدرة الحكومة وسرعتها في الإصلاحات
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

عندما أُعلن عن زيارة وفد من صندوق النقد الدولي الى لبنان، كان الحديث يقتصر على أن هدف الزيارة هو “البحث في ما يمكن أن يقدمه الصندوق من مشورة تقنية لمساعدة لبنان في بناء خطته الإنقاذية، على أن يتابع الصندوق عمله حتى الانتهاء من التعاون مع لبنان لإعداد الخطة”. ولكن يبدو أن المشورة الفنية والتقنية التي سيقدمها الصندوق هي مقدمة لطلب الدعم والتمويل المالي الخارجي، خصوصا أن الخيارات أمام الحكومة باتت محدودة.
وهذا الدعم يرتبط بقدرة الحكومة وسرعتها في تحديد حاجاتها وأهدافها وأولوياتها والاصلاحات التي لطالما تعهدت القيام بها، والاهم وضع خطة مالية، ونقدية ومصرفية وخطة للاقتصاد الكلي. وتؤكد مصادر لـ”النهار” أن لبنان في حاجة أقله الى 20 مليار دولار للخروج من الازمة، ما يحتم الاتصال بالدول الداعمة للبنان والدعوة الى مؤتمر دولي على غرار باريس 1 و2 و”سيدر”.
ولكن الدعم يعتمد على تنفيذ الإصلاحات التي كان لبنان وعد بتنفيذها من دون جدوى، فهل سيتمكن هذه المرة من تنفيذ الاصلاحات بعدما وصلت الامور الى حائط مسدود؟
نقل مركز “كارنيغي” عن رئيس الاستثمارات السيادية والأسواق الناشئة في شركة إدارة أصول في نيويورك، والخبير الاقتصادي السابق في صندوق النقد عامر البساط أنه “حان وقت إزالة الغموض الذي يكتنف صندوق النقد، إذ لم يعد اعتماد برنامج شامل ومتكامل بعد الآن مجرد ترف. فلبنان بحاجة إلى برنامج لأحد الأسباب الثلاثة الآتية: أولاً، الأزمة اللبنانية شديدة التعقيد ومستعصية على ما يبدو. ثانياً، يفتقد التزام الحكومة اللبنانية الإصلاحات إلى الصدقية، إذا ما أردنا التعبير عن الأمر بتهذيب. وستثبت مشروطية صندوق النقد (الخاضعة للمتابعة والرقابة) فعّاليتها في ترسيخ عملية تطبيق الإصلاحات. أخيرا، فإن حجم العجز التمويلي في البلاد هائل. وفي حال لم تتم معالجته، سيكون مصير الاقتصاد الانهيار وستنخفض احتياطات الصرف الأجنبي على نحو مطّرد. وإذا ما أردنا الحديث بصورة واقعية، ستكون الجهات المانحة الأخرى مترددة إلى حد كبير في منح لبنان الأموال، من دون موافقة صندوق النقد الدولي”.
ولكن هل ستكون شروط صندوق النقد الدولي موجعة؟ يجيب البساط: “للأسف، ستكون كذلك بالطبع. فإن كانت الدولة جادة في معالجة أزمتها، ستكون الإجراءات التي يحدّدها صندوق النقد هي ما تحتاج إليه بالضبط. كما أن الأحاديث الشائعة عن أن الصندوق لا يعير أهمية للواقع السياسي ومضاعفات شروطه على المجتمع قد عفا عليها الزمن. وسيكون لوجود فريق تفاوض لبناني قوي دور رئيسي في صياغة تفاصيل البرنامج”.
فيما قال الأستاذ الحائز منصب “كرسي التميّز للعالم العربي” في جامعة باريس للعلوم والآداب، إسحق ديوان: “في أفضل الأحوال، قد يتمكّن صندوق النقد، بالتعاون مع جهات مانحة أخرى، من إعداد حزمة تمويلية كاملة هي عبارة عن مبلغ يراوح ما بين 20 و25 مليار دولار يُمنح للبنان على مدى 3 سنوات من أجل دعم خطة الإنقاذ وتخفيف وطأة الألم الذي لا مفرّ منه في المدى القصير”. لكن لتحقيق ذلك، يرى ديوان أنه “لا بدّ من إجراء تعديلات وإصلاحات موجعة، تتضمن خفض مصاريف الدولة، وزيادة الضرائب، والخصخصة، وتقليص الدين، وتراجع قيمة العملة. سيكون الهدف ببساطة تمكين الاقتصاد اللبناني من تسديد قروض صندوق النقد الدولي ضمن مهلة لا تتجاوز العشر سنوات”.
نصائح الصندوق؟
صندوق النقد ليس بعيدا عما يجري في لبنان، فهو مطلع عن كثب على الاوضاع المالية والاقتصادية فيه ولديه نظرة شاملة ومستقبلية عن الاقتصاد والقطاع المصرفي، لذا كان نقاشه مع الحكومة اللبنانية مركزا على المعلومات التي لديه ليكون طلب لبنان للدعم المالي مبنيّاً على الدراسات التي قام بها خبراء الصندوق.
والتعويل على دعم صندوق النقد سيكون مقرونا بتطبيق وصفات الصندوق الاصلاحية للخروج من ازمة الدين، وقد باتت معروفة وهو كان أوردها في تقارير سابقة لعل أبرزها “إعادة هيكلة القطاع العام ونظام التقاعد، زيادة الـTVA من 11% إلى 15% أو 20%، ما يؤمن إيرادات إضافية للخزينة تراوح ما بين 940 مليون دولار و2.1 ملياري دولار، وإلغاء الإعفاءات منها والممنوحة لعدد كبير من السلع الأساسية والغذائية، بما يوفر إيرادات إضافية تصل قيمتها إلى 700 مليون دولار، فرض ضريبة على صفيحة البنزين بقيمة 5 آلاف ليرة على نحو يؤمن إيرادات بنحو 470 مليون دولار، اضافة الى زيادة الضرائب على الأملاك المبنية، إلغاء دعم الكهرباء، وخصخصة قطاعَي الكهرباء والاتصالات، فضلاً عن إعادة النظر في هيكلية الرواتب في القطاع العام وفي نظام التقاعد اللذين يمتصان جزءاً أساسياً من الإيرادات”.
أما وقد وصلنا الى حائط مسدود، فإن الشروع في إقرار خطة انقاذية، اقتصادية، مالية ونقدية، في صلبها مشروع متوسط الأمد لمعالجة الاختلالات في المالية العامة وخفض نسبة العجز والدين العام للناتج المحلي، أصبح أمرا لا بد منه. وسيكون لهكذا خطة انقاذية حاجة الى ضخّ سيولة في الأسواق اللبنانية، وفق ما يقول كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل “اذ ان الخطة لا تكفي بحد ذاتها، خصوصا أن الحكومات اللبنانية لها سجلّ طويل بإغداق الوعود والتعهد بتطبيق الإصلاحات البنيوية والمالية، ولكنها طبقت فقط زيادة الضرائب والرسوم على المواطن وعلى القطاع الخاص. لذلك، ومن أجل مصداقية هذه الخطة، أصبح متوجبا على السلطات اللبنانية أن تدرس، من ضمن الخيارات المتاحة، إمكانية طلب دعم مالي من صندوق النقد الدولي واشراف الصندوق على تطبيق الإصلاحات ضمن مهل زمنية وأهداف رقمية محددة”.
ويضيف: “تقوم السلطات اللبنانية بالتفاوض مع صندوق النقد على بنود وأولويات برنامجها الإصلاحي من أجل ضمان مصلحة اللبنانيين وتجنيب الاقتصاد والطبقات المتوسطة والفقيرة المزيد من الضرائب والرسوم. وإذا تم الاتفاق بين الجانبين على بنود المشروع، يبدأ التنفيذ بإشراف الصندوق ودعمه المالي، ما يتيح فتح باب مساعدات واستثمارات مالية إضافية من بلدان ومؤسسات متعددة الطرف، لأن اشراف صندوق النقد على الإصلاحات يعطي مصداقية لبرنامج الحكومة ويرفع ثقة مكوّنات المجتمع اللبناني قبل المجتمع الدولي اذا أدركت السلطات كيف تفاوض صندوق النقد للحفاظ على مصالح لبنان الاقتصادية والمالية ولتُجنب لبنان أي خلفيات سياسية، كما يخشى البعض، من التعامل مع صندوق النقد”.
وخلافا للفكرة السائدة، فإن السلطات المحلية هي التي تضع أولويات وتفاصيل البرنامج الانقاذي الاقتصادي والمالي، وتناقشه لاحقا مع الصندوق، وفق ما يقول غبريل، فصندوق النقد “لا يهبط في عاصمة ما، ويملي ارادته على الشعوب والحكومات. وإذا لم يكن هناك إرادة سياسية محلية جامعة لتطبيق الإصلاحات البنيوية، فأي دعم تقني أو مالي من الصندوق، أو اشرافه على تطبيق بنود الخطة، لن يؤدي الى نتيجة، كما أظهرت تجارب الصندوق في العديد من البلدان، اذ ان على اللبنانيين أن يساعدوا أنفسهم أولًا من أجل أن يساعدهم صندوق النقد أو غيره من مكوّنات المجتمع العربي والدولي”.