Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر August 26, 2019
A A A
ستة أشهر فاصلة: بعد التصنيف الأمن مهدد ولبنان أمام الفرصة الأخيرة
الكاتب: سابين عويس - النهار

لم يكن ينقص البلاد في عز ازمتها المالية والاقتصادية التي زادت تفاقما بعد خفض تصنيفها، الا الهم الامني الذي تسلل امس من باب الاعتداء الاسرائيلي السافر على السيادة اللبنانية والذي تمثل بسقوط طائرتين من دون طيار في مناطق نفوذ “حزب الله”.
لم يكد يمر يومان على صدور تصنيفي الوكالتين الدوليتين “ستاندرد اند بورز” و”فيتش”، وما رتبا من تداعيات سلبية على المشهد المالي والاقتصادي، حتى دخل العامل الامني على خط ارباك الساحة السياسية، في تطور خطير جداً ينذر بمخاطر كبيرة، ويطرح تحديات جديدة لا بد من ان تلقي بثقلها على مشهد سياسي مترنح تحت ضغط الضربات الداخلية المتنامية على يد القوى السياسية المحلية.
وفي حين انشغلت البلاد في رصد هذا التطور المفاجىء المستجد، في مسعى لتبين ما سيرتبه من تداعيات، يبقى الهم المالي والاقتصادي في طليعة هواجس السلطة، ولا سيما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي أخذ على عاتقه الامساك بهذا الملف، بعدما تبين خطورته التي من شأنها اذا ما انفجر الوضع ان تفجر العهد الرئاسي وتترك بصماتها السوداء على ما تبقى منه، بعدما وصمت أعوامه الاولى بالركود والشلل والانهيار.
ورئيس الجمهورية المتحسس لهذا الوضع، يعتزم التحرك على محورين، كما يلمس منه زواره، الاول عبر تفعيل جلسات مجلس الوزراء من اجل الإسراع في بدء مناقشة مشروع موازنة السنة المقبلة ضمن المهل الدستورية، والسعي الى تسريع اقرار كل الإجراءات والمراسيم ومشاريع القوانين المجمدة المتصلة ببرنامج “سيدر” وقطاع النفط والغاز والكهرباء. اما المحور الثاني فيتصل بالدعوة الى طاولة حوار اقتصادي لوضع خطة طوارئ فورية.
لكن مصادر اقتصادية مواكبة، لا ترى ان الحماسة المستجدة لدى العهد ستؤدي دورها في اخراج البلاد من الانهيار الذي بات حتميا في الأشهر القليلة المقبلة. وليس الكلام في إطار التهويل او بث المناخ السلبي، بل في إطار التذكير بما آلت اليه الاوضاع في ظل التلكؤ والاستهتار الرسميين اللذين سادا في الأشهر القليلة الماضية من دون إقامة اي اعتبار للتحذيرات الدولية والداخلية من خطورة ما بلغته الاوضاع.
فبقطع النظر عن المؤشرات المالية والنقدية والمصرفية المتراجعة، معطوفة على مؤشرات اقتصادية سلبية في معظمها، في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية، وبقطع النظر ايضا عن نجاح السلطة بدفع وكالة “ستاندرد اند بورز” الى التريث في خفض تصنيفها، فإن لجوء “فيتش” الى خفض التصنيف الى “CCC”، بعد خفض مماثل قامت به وكالة “موديز” في حزيران الماضي، يضع لبنان في خانة ضعف القدرة على سداد ديونه، مع احتمال كبير بالتخلف عن السداد. وهذا يعني ان على السلطات البحث عن الوسائل الكفيلة لاستعادة الثقة بالبلاد ولاقتصادها وبسنداتها. امر كهذا يحتاج الى خطوات جبارة جداً لا يعكس الاداء الرسمي المترهل والفاقد الثقة، قدرة على اتخاذها. ذلك ان الاسواق والمؤسسات الدولية تجاوزت مرحلة القبول بالتزامات ووعود، وباتت في مرحلة التشكيك بكل نية او رقم ما لم تَر تنفيذاً. وهذا في حد ذاته امر مسيء لسمعة لبنان وصدقيته.
كما ان وضع وكالة “ستاندرد اند بورز” لبنان تحت مجهر المراقبة، اشترى وقتا لا يتجاوز الأشهر الستة. فإذا لم تتلمس الوكالة مؤشرات اصلاحية جدية تعكسها ارقام المالية العامة وميزانية مصرف لبنان المركزي، فإن ورقة خفض التصنيف لا تزال جاهزة، ومكتوبة.
وعليه، لا ترى المصادر ان لبنان في حاجة الى حوار اقتصادي، وهو لا يملك ترف هدر الوقت على حوار كهذا، ما لم تكن النية من ورائه اعادة النظر بالسياسات القائمة، التي لا تقنع الفريق الاقتصادي لرئيس الجمهورية، بل المطلوب المباشرة فورا الى سلسلة من القرارات التي تبعث بإشارات جدية حيال توافق القيادات السياسية على تجاوز خلافاتها وحساباتها الخاصة والزبائنية، تمهيدا لإطلاق عجلة العمل في مكامن الخلل القائمة. والأولوية الفورية لانعقاد جلسة حكومية تقر تعيينات نواب الحاكم والهيئات الناظمة ومجلس ادارة مؤسسة الكهرباء. تواكبها فورا حملة لمكافحة التهرب الضريبي والجمركي والتهريب غير الشرعي عبر الحدود السائبة.
ثالث الإشارات الحدية وضع مشروع موازنة ٢٠٢٠ على طاولة مجلس الوزراء، وتأمين القرار السياسي الذي يغطي الإجراءات غير الشعبية على مستوى القطاع العام.
وتخلص المصادر الى القول ان لبنان لم يعد يملك ترف التلهي بالنقاش والاقتراحات وهدر الوقت على المزايدات السياسية الشعبوية. فالتشخيص واضح والازمة ظاهرة والمعالجات موجودة، وجل ما تفتقده البلاد الإرادة السياسية او القرار السياسي.
واذا كان رئيس الحكومة بات عاجزاً عن الامساك بالملف الاقتصادي والمالي، تاركا دفة القيادة لرئيس الجمهورية، فلم يعد امام الرئيس الا الاقدام قبل ان ينهار الهيكل على كل الرؤوس، بما فيها رأس العهد.