Beirut weather 24.41 ° C
تاريخ النشر July 22, 2019
A A A
بعدما أقرّ مجلس النواب الموازنة ما هو رأي دول مؤتمر “سيدر”؟
الكاتب: اميل خوري - النهار

اذا كان إقرار الموازنة في مجلس النواب أمراً مهماً، وإن بعد تهشيمها من نواب موالين ومعارضين، ثم القبول بها “كأفضل الممكن”، فإن الأهم هو رأي الدول المانحة في مؤتمر “سيدر” فيها، والتي خصّصت الأموال للنهوض بلبنان في شتى المجالات، هل على أساس مثل هذه الموازنة أم على أساس ما تراه يؤمّن الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي في لبنان، كما أمّنت المظلة الدولية الاستقرار السياسي والأمني له على رغم ما تشهده المنطقة من غليان وتوترات؟
لذلك لا بد من انتظار رأي دول مؤتمر “سيدر” لكي يُبنى على الشيء مقتضاه وليس رأي النواب في الموازنة فقط، وهو رأي تتحكم فيه اعتبارات سياسية ومصلحية. فإذا كانت هذه الدول تريد انقاذ لبنان اقتصادياً ومالياً، فإنها قد لا تفعل ذلك على أساس موازنة “أفضل الممكن” وهي متوازنة بأرقامها فقط، وإنما بتسهيل تنفيذ مشاريع مؤتمر “سيدر” بسرعة وشفافية لإبعاد لبنان عن الهاوية وعن خطر الافلاس. أما اذا كانت لا تريد انقاذه لسبب من الأسباب، فإنها قد تتخذ من الموازنة التي تخلو من الاصلاحات المطلوبة ذريعة لحرمانه مساعدات تقررت له في المؤتمر.
ومما لا شك فيه أن رأي دول مؤتمر “سيدر” مهم، فهل ترى أن لبنان يسير في الطريق الصحيح للنهوض اقتصادياً ومالياً، أم أنه يسير في الطريق الخطأ ومنذ سنوات، وهو ما جعل صندوق النقد الدولي ومؤسسات تصنيف أوضاعه المالية تطالب الحكومة اللبنانية باجراء اصلاحات أساسية لاعادة التوازن الى هذه الأوضاع. فلبنان يعيش منذ سنوات على أموال مستعارة وفي وقت مستعار جعل الشباب المثقف والموهوب فيه موارد غير مستثمرة. ولتحقيق الازدهار في لبنان، يجب أن تسود الشفافية مكان الفساد وأن يتم سد مزاريب الهدر والثقوب في سفينة الحكم، اذ لا خيار أمام لبنان سوى الاصلاح ليصبح بلداً سيداً مستقراً يمتلك القدرة على الايفاء بديونه ويتمتع باقتصاد سليم. ولبلوغ ذلك عليه أن يتخطى الجدل العقيم والكلام الفارغ ويجري تغييرات في الطريقة التي يدير بها اقتصاده قبل أن يفرض عليه البنك الدولي ذلك ويكون قاسياً. فلبنان بات في حاجة الى مشاركة القطاع الخاص في بناء اقتصاد سليم وخفض كلفة الخدمات الأساسية، وأن يكون الاصلاح فيه عملية دائمة ومن صنع لبنان وبمفهوم السيادة الوطنية والاستقلال التام، لا أن يظل ذلك كلاماً وحبراً على ورق. ومفهوم السيادة يكون بضبط الحدود ومنع أي تسلل أو تهريب عبرها لكي يلبي أشقاء لبنان وأصدقاؤه طلبات الدعم عند تنفيذ الخطة الاصلاحية الشاملة والتي يجب أن تشمل كل القطاعات وليس قطاعات من دون أخرى لاعتبارات مصلحية أو سياسية، ولا يتكرر قطع وعود لا يتم الايفاء بها كما حصل في مؤتمرات باريس.
لقد تضاربت الآراء حول وضع لبنان الاقتصادي والمالي بين مَن يرونه يسير نحو الانهيار والافلاس ومَن يرونه يسير نحو النهوض، الا أن الكلمة الفصل في ذلك تبقى للدول المانحة في مؤتمر “سيدر” والتي لها أن تقول إذا كانت موازنة 2019 هي مدخل الى الاصلاح المطلوب أم لا. فالرئيس ميشال عون كان قد أعلن أن لبنان ليس مكسوراً ولا مفلساً بل منهوب… لكنه حتى الآن لا يزال منهوباً فيصبح عندئذ مكسوراً ومفلساً.
لقد نجا لبنان من أزمات سياسية وهزات أمنية كادت تسقط الاستقرار فيه لولا المظلة الدولية الواقية. فهل ينجو من أزمات اقتصادية ومالية تهدده بتنفيذ مقررات مؤتمر “سيدر”، أم أن أميركا التي تشن حرباً اقتصادية على دول عدة لانها لا تسير في خطها السياسي وفي الحلول المقترحة لأزمات غير دولة في المنطقة، قد تجعل هذه الحرب تشمل لبنان لتغيير وجهه عند تغيير وجه المنطقة؟!