Beirut weather 22.59 ° C
تاريخ النشر November 13, 2018
A A A
التشريع في ظل حكومة تصريف أعمال وخيار التفعيل
الكاتب: د. مازن ع. خطاب - اللواء

تحت عنوان «تشريع الضرورة» وضرورة التشريع، في ظل وضع اقتصادي واجتماعي متهالك، بدأ مجلس النوّاب بعقد جلسات تشريعية أمس في الثاني عشر ويكملها اليوم في الثالث عشر من الشهر الجاري بجدول أعمال فضفاض.
هذه الدعوة أثارت تساؤلات بخصوص جواز ممارسة مجلس النوّاب صلاحياته التشريعية في ظل حكومة تصريف أعمال، وما يعنيه ذلك من الناحية الدستورية والعملية، وكي نصل الى مطالعة دقيقة، يجب أن نفهم ماهية دور الحكومة في ظل الاستقالة وانسحاب حالة تصريف الأعمال على مجلس النواب.
الأمر الأوّل يقتضي تحديد دور الحكومة في ظل الاستقالة، بموجب المادة 64 من الدستور، التي نصت على أن ممارستها لصلاحياتها تكون بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال. وقد عرّف الفقيه الفرنسي جان والين «تصريف الأعمال» بأنّه: تصريف الأمور الجارية التي تتصف بالاستعجال، والتي لا تكون لها صفة سياسية. وهو يستند على الرأي الفرنسي الذي استقر على إخضاع المرافق العامة والحكومات لعدد من القواعد الأساسية تمليها الاعتبارات العملية والعدالة الاجتماعية، ومنها قاعدة دوام سير المرافق العامة بانتظام واضطراد، لأنّ الحياة الوطنية وقضايا الناس لا يمكن أنْ تتجمّد إلى حين تشكيل حكومة جديدة، بالتالي، تصبح حكومة «تصريف الأعمال» غير قادرة على اتخاذ قرارات تصرُّفية أو تقريرية، لكنها قادرة على تصريف الأمور الجارية غير السياسية.
الأمر الثاني يقتضي اعتبار أنّ وجود حكومة في ظل الاستقالة، ويمنعها الدستور من ممارسة كامل صلاحياتها، هي حكومة غير مسؤولة أمام المجلس النيابي. ذلك لأن الحكومة المستقيلة لا يمكنها أن تتمثّل لدى المجلس النيابي، بعد أن فقدت كينونتها الدستورية، وعندما تكون هناك جلسة نيابية تحضر الحكومة لأنها لم تزل السلطة التنفيذية، لكنّها تكون غير قادرة على إبداء رأيها في النصوص المطروحة على التصويت.
الأمر الثالث في عدم حظر الدستور اللبناني في أي نص من نصوصه انعقاد مجلس النوّاب في جلسات تشريعيّة في ظل حكومة تصريف أعمال، فالمادة 69 من الدستور تنصُّ على أنّه «عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة».
ومن المفيد التذكير بأنّه بتاريخ 3 أيار 1988، طلب دولة الرئيس حسين الحسيني عندما كان رئيساً للمجلس النيابي رأي الفقيه الدستوري الدكتور إدمون رباط في ما إذا كان يتوقَّف التشريع في ظلِّ حكومة مستقيلة، فكان جواب الدكتور رباط بأنّه «إذا كانت السلطة التنفيذية في حالة من الشلل والانقسام لا يجوز أن تؤلف عائقاً او عذراً كي تسير السلطة التشريعية على منوالها»، بالتالي، يبقى المجلس سيد نفسه حتى في ظل حكومة تصريف أعمال، ويمكنه أن يجتمع بغض النظر عن وضعية الحكومة لأن نظام لبنان شبه برلماني لا يقوم فقط على العمل التنفيذي إنما على التشريع الذي على الحكومة أن تطبقه من خلال المراسيم التطبيقية او من خلال القرارات التنفيذية.
وإنْ كان ممكناً الاستنتاج أنّ حالة تصريف الأعمال لا تنسحب على مجلس النوّاب، الذي لا يحظر الدستور ممارسته دوره التشريعي، إلا أنّ هناك ما يحول دون إدارة شؤون الدولة بشكل رشيد، وممارسة المجلس لكامل صلاحياته التشريعية، باعتبار أن حكومة تصريف الاعمال غير مسؤولة أمام المجلس النيابي. فعندما يصدر مجلس النواب قانوناً يصبح هذا القانون نافذاً، إلا في حال ردّته الحكومة، وهنا لا يمكن لحكومة تصريف الاعمال أن ترد القوانين، باعتبار رد القوانين هي مواضيع تصرفية وليست ادارية تتعلق بتسيير المرفق العام. وبالرغم من أنّ المادة 69 من الدستور، تشير إلى الانعقاد الحكمي والاستثنائي لمجلس النواب دون أن تحدد جدول أعمال هذا العقد الاستثنائي، لكن ذلك يطرح إشكالية بما أن حكومة تصريف الأعمال يحظر عليها ممارسة صلاحياتها التقريرية، وخصوصاً ممارستها لحقها الدستوري بالكلام خلال إجراءات التشريع لإبداء رأيها بالنصوص القانونية المطروحة على التصويت.
لذلك كلّه، يقتضي اعتبار مجلس النوّاب سلطة تشريعية قائمة متى كان يتوجّب عليه إقرار القوانين التي تفرضها حالة الضرورة، في ظل حكومة تصريف اعمال، ولكن من خلال جدول أعمال لا يكون فضفاضاً.