Beirut weather 19.45 ° C
تاريخ النشر May 25, 2018
A A A
هل تعدّ ملحمة الأوديسا أروع قصة في تاريخ البشر؟
الكاتب: بي بي سي

في استطلاع لآراء القراء أجراه موقع “bbc culture”، حلت ملحمة الأوديسا للشاعر الإغريقي هوميروس على رأس قائمة أفضل 100 رواية تركت بصمة في العالم. وتبحث ناتالي هينز في الأسباب التي جعلت هذه الملحمة تبقى في ذاكرة الإنسانية لآلاف السنوات.
إذا كان بوسعنا أن نختار أفضل رواية على مر التاريخ، فإن ملحمة “الأدويسا” للشاعر الإغريقي هوميروس هي الأوفر حظا من معظم القصص الأخرى، والأجدر بأن تحظى بهذا اللقب. تقع هذه الملحمة في 24 كتابا، وتتألف من ما يربو على 12 ألف بيت سداسي التفاعيل (وهو البحر الشعري الذي كان يستخدم في الملحمات الإغريقية ومن بعدها الرومانية).
وتدور القصة حول مغامرات أوديسيوس أو أوليس (باللغة اللاتينية)، البطل الإغريقي الماكر والمحير، في أعقاب حرب طروادة. وطالما أشاد بها الناقدون وأجمعوا على أنها أروع عمل أدبي لآلاف الأعوام، وفي القرن الخامس قبل الميلاد، كتب الكاتب المسرحي الإغريقي أخيلوس أن مسرحياته “لا تعدو أن تكون فتات من مأدبة هوميروس”.
وألهمت مغامرات أوليس كبار الكتاب من الشاعر الإيطالي دانتي إلى الشاعر والروائي الإيرلندي جيمس جويس، والشاعرة والروائية الكندية مارغريب آتوود. إلا أن أوليس لم يكن ينشد هدفا دينيا ساميا، بالرغم من كثرة الآلهة والوحوش التي تغص بها القصيدة. فلم يخض لجج البحار بحثا عن أشياء عجيبة وجديدة، كأرض لم تطأها قدم أو صوف ذهبي، وهو رمز السلطة في الاساطير الإغريقية. إنما كان هدفه الوصول إلى بيته بعد حرب دامت عشرة أعوام.
ولا شك أن هذا هو سبب احتفاظ هذه القصيدة برونقها وأهميتها في ثقافتنا اليوم رغم مرور 2700 عام على تنظيمها، إذ ربما تعود إلى القرن الثامن أو السابع قبل الميلاد. فعندما تقرأ القصة ستشعر أنها رغم عظمتها، فإنها بسيطة بحيث تتأثر لها نفوسنا، وستجد أنها واسعة النطاق لكنها مفعمة بالتفاصيل، مثل وصف الأزهار التي تنمو خارج كهف عروس الماء كاليبسو، أو نعومة صوف خراف “السيكلوب”. (وهي مخلوقات غريبة بعين واحدة).
تطرح هذه القصة أسئلة عن أهمية الشجاعة والرجولة، ولا سيما حين يخوض المرء غمار الحياة وقد تجرّد من ألقابه وانتزع من بيئته ومحيطه، فقد غدا أوليس زوجا بعيدا عن زوجته، وأبا محروما من رؤية ابنه، ومحاربا خارج ميدان القتال، وملكا بلا مملكة، وقائدا بلا جيش، وقد بات ألعوبة في يد الألهة، وابنا قد ماتت أمه كمدا بعد أن ظنت أنه مات. فهو رحالة وقرصان ومغامر ولاجئ.
الأساطير المثلى
تصور القصيدة للقارئ السرد القصصي على أنه محض أكاذيب ومبالغات وأساطير تتعارض مع بعضها بعضا في تسلسل زمني غير مترابط. فقد سُردت قصة أوليس في القصيدة عدة مرات بدرجات متفاوته من الدقة، سواء على لسان أوليس نفسه أو ترنم بأبياتها الشعراء، أسوة بهوميروس، وسردها أوليس حين كان متخفيا في صورة شاعر، مختلقا أكاذيب عن رحلاته لبلوغ مآرب خاصة.
وفي الكتاب الـ12، لم يستمع إلى غناء حوريات البحر (التي تعرف باسم “السيرينات”) إلا أوليس، بعد أن سدّ جميع البحارة آذانهم بشمع العسل الطري، لأن هذه المخلوقات الأسطورية تغوي الرجال بأصواتها الشجية وتقودهم إلى حتفهم.
كان أوليس حريصا كل الحرص على ألا يفوت لحظة من مغامراته، إلى حد أنه طلب من رفاقه أن يشدوا وثاقه إلى صاري السفينة حتى يستمع ولا يتحرك. وكأنه يتحدث عن الجمهور المفتون بالقصة.
وكانت حوريات البحر تلك تعرف كيف تستميله، إذ كانت تصفه بـ”البطل المرموق”. بالطبع لا يخالج القارئ شك في أن أوليس جابه الكثير من الصعاب واقتحم الأهوال، ونجد متعة في متابعة مغامراته الخيالية الرائعة.
تسرد ملحمة الأوديسا رحلة أوليس التي استغرقت عشرة أعوام من طروادة إلى منزله في إيثاكا. ولكنها بدأت منذ أواخر العام العاشر، حين كان أوليس ينتظر في جزيرة أوغيغيا أمضى فيها مع عروس البحر “كاليبسو” سبع سنوات، وكان ملتاعا يطيل النظر إلى البحر على أمل أن يعود إلى منزله.
وقابل أوليس في السنوات الثلاث الأولى بعد مغادرة طروادة خراف “السيكلوب” التي تأكل لحوم البشر، ومدمني المخدرات الذي يتحركون وهو نائمون، والعمالقة سفاكي الدماء، و”السرينات” القاتلات، وساحرة، ووحشي البحر سيلا وكاريبديس.
ورويت هذه المغامرات بأسلوب السرد الاسترجاعي، الذي يعتمد على استدعاء السارد للماضي. كما يتابع القارئ قصتين أخرتين على هامش قصة أوليس، وهي قصة بينيلوبي، زوج أوليس التي طالت معاناتها، ونتتبع أيضا رحلات تليماكوس ابنهما الطائش التي كانت أضيق نطاقا من مغامرات أبيه.
ولعل أشهر مغامرات أوليس جاءت في الكتاب التاسع، حين وصل مع رفاقه إلى جزيرة تسكنها مخلوقات “السيكلوب”. واستدرجهم بوليفيموس، وهو “سيكلوب” من آكلي لحوم البشر، وحبسهم في كهف، ثم سأل أوليس عن اسمه، لأنه يحب أنه يعرف اسم الشخص الذي سيأكله لاحقا.
فأجابه أوليس بدهاء إن اسمه “لا أحد”، ثم سقاه أوليس الخمر حتى غاب عن وعيه، وفقأ عينه بعصا مسنون بالحرارة. وبهذا ضمن أوليس أنه كسر شوكة السيكلوب بحيث لم يعد قادرا على قتل أوليس، ولكنه في الوقت نفسه، كان لديه من القوة ما يمكّنه من زحزحة الصخرة العملاقة التي تسد مدخل الكهف، ليطلق الخراف خارج الكهف في اليوم التالي، وبذلك سيتيح الفرصة لأوليس أيضا للهرب.