Beirut weather 27.43 ° C
تاريخ النشر March 8, 2023
A A A
رفع الدولار الجمركي… ما له وما عليه!
الكاتب: يمنى المقداد - الديار

خلال 3 أشهر، رفعت الحكومة اللبنانية الدولار الجمركي مرتين، ولا أحد يعلم إن كان الأخير سيحذو حذو الدولار الأسود ودولار منصة “صيرفة” ويستمر في الارتفاع، فالاتجاه المتصاعد على ما يبدو، يشمل كلّ شيء إلا حال المواطن الذي يتّجه هبوطا يوما بعد يوم، لا سيّما من يقبض بالعملة الوطنية.

يحدث ذلك، في وقت لم يعد المواطن اليوم يأبه لأيّ قرار اقتصادي أو سياسي تعتمده الدولة لمواجهة الأزمة، وهو الذي طالما اختبر ممارستها سياسة الهروب إلى الأمام في قراراتها، التي تصلح كمسكنات وليس كعلاجات للأزمة.

في مستجد الدولار الجمركي، أنّه عدّل بناء على طلب من وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال المال يوسف الخليل من 15 ألفا إلى 45 ألف ليرة، بهدف تأمين زيادة بدل النقل اليومي لموظفي القطاع العام والعسكريين والمعلمين، وفق تصريح الوزير.

وكان قد سبق هذا التعديل قرار لوزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، بدولرة أسعار السلع الغذائيّة والاستهلاكية، بالتوازي مع ارتفاع لدولار السوق السوداء و”صيرفة”، وكلا القرارين-حتى قبل وضعهما رسميّا حيز التنفيذ- رفعا أسعار معظم ما يستهلكه اللبناني من غذاء ودواء ومياه وكهرباء واتصالات وغيرها الكثير من الاحتياجات الأساسيّة بطرق مباشرة وغير مباشرة، في وقت تغيب فيه الرقابة، والتي تعتبر شرطا أساسيا كي تصبّ بعض هذه القرارات في مصلحة المواطن.

فهل فعلا كان لا بدّ من فع الدولار الجمركي؟ ولماذا؟ وفي المقابل، ما انعكاس ذلك على المواطن ودولته في آن؟

لمَ رفع الدولار الجمركي؟
الخبير الاقتصادي عماد عكّوش، أوضح لـ “الديار” ان أسبابا كثيرة تقف كثيرة خلف رفع الدولار الجمركي، من بينها عجز الموازنة الذي أصبح كبيرا جدا، نظرا الى عدم تحصيل الدولة وارداتها خاصة بعد الإضرابات الكبيرة التي حصلت في القطاع العام، سواء في مصلحة تسجيل السيارات، أو الدوائر العقارية، أو وزارة المالية، والتي خفّضت الإيرادات ورفعت عجز الموازنة، وأفرزت النفقات الطارئة المتمثّلة بالتسويات التي تجرى مع روابط القطاع العام والتعليم الرسمي والنقابات لزيادة الرواتب، وهذا سيرتّب نفقات إضافية على الموازنة لم تكن مأخوذة بعين الاعتبار سابقا.

فيما أدّى، وفق عكّوش، ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى تثبيت واردات الدولة مقابل زيادة نفقاتها، خصوصا النفقات التشغيلية التي تدفعها الدولة بالدولار الأميركي والتي زادت بارتفاعه، إضافة إلى عوامل أخرى منها عدم الإصلاح الضريبي، عدم مكافحة التهرب الجمركي، عدم إصدار القوانين في مجلس النواب ومن ضمنها قانون “الكابيتال كونترول”، قانون إعادة هيكلة المصارف وقانون خطة إعادة التوازن، معتبرا أنّ كل هذه الأمور والأسباب فرضت رفع سعر صرف الدولار الجمركي لزيادة الواردات وتغطية العجز الكبير في الموازنة، وامتصاص الكتلة النقدية في السوق.

الدولار الجمركي إيجابي!
ورأى عكوش في زيادة الدولار الجمركي تأثيرات سلبية وإيجابية في آن. تتجلّى السلبية في زيادة عدم الثقة بالعملة الوطنية، إذ كلّما رفعنا سعر صرف الدولار الجمركي والدولار الرسمي ستنخفض الثقة بالعملة الوطنية، علاوة على ارتفاع مؤشر الإستهلاك، وبالتالي التضخم نتيجة زيادة الأسعار، بحيث أنّ هناك الكثير من السلع ستُجمرك على السعر الجديد، ما سيؤدي الى زيادة الأسعار خاصة بالنسبة للسلع الكمالية.

اضاف: وتتلخّص إيجابيات رفع سعر صرف الدولار الجمركي بزيادة واردات الدولة، ما سيؤدي الى خفض عجز الموازنة، وفي الوقت نفسه سيؤدي إلى امتصاص الكتلة النقدية التي يضّخها مصرف لبنان في السوق، وكذلك تحسين الإنتاج الصناعي والزراعي اللبناني، وشرح عكّوش ذلك قائلا: “اليوم عندما تستوفي الدولة الدولار الجمركي وفق 15 ألف ليرة، بينما وصل في السوق مؤخرا للتسعين ألف ليرة، فهي لا تفرض رسوما جمركية على الصناعة الأجنبية أو المستوردات كما يجب، وبالتالي لن تكون هذه الرسوم قادرة على حماية الإنتاج الزراعي والصناعي اللبناني، من هنا يمكن أن يساعد رفع الدولار الجمركي على حماية الزراعة والصناعة في الوقت نفسه”.

الدولرة فكرة خاطئة
“لا أحد يحمي المواطن إلا الدولة، لكن إذا تخلّت عن مسؤوليتها وشرّعت الفوضى كما يحصل اليوم، فمن المؤكد لن يكون هناك حماية للناس”، بهذه العبارة لخّصت مسؤولة المراقبة ونائبة رئيس “جمعية حماية المستهلك” الدكتورة ندى نعمة، مأساة المواطن في لبنان اليوم، لافتة في حديثها لـ “الديار” الى أنّ البلد دخل في مرحلة فوضى كبيرة جدا، ومعتبرة أنّ فكرة الدولرة خاطئة من أساسها، وستنعكس زيادة تضخم وارتفاع أسعار، وزيادة فوضى في الأسواق، وتكديس أرباح أكثر وأكثر للتجار.

خلاصة القول… في خضّم المأزق السياسي، لا بدّ أن نتوقع المزيد من الارتفاعات للدولار بمسمّياته المختلفة، ومنه الدولار الجمركي الذي يشمل المستوردات التي تشكل مواد أولية للكثير من صناعاتنا الضرورية وحاجاتنا الاساسية وليس فقط الكمالية، في وقت يخرج فيه السياسيون على الشاشات ويشكون للمواطنين الأوضاع الصعبة في البلاد، وبينما تتمثّل مهمتهم التي يقبضون رواتب مقابلها بإيجاد مخارج للأزمة، يحمّلون المواطن عبء المشكلة وعناء التفتيش عن حل لها في آن، في مشهد تنعكس فيه الأدوار، فيغدو الجلاد بطلا والمواطن دوما هو الضحية للأسف!