Beirut weather 25.41 ° C
تاريخ النشر December 10, 2022
A A A
افتتاحية “الديار”: استمرار في سوء ادارة الشأن العام ولا اصلاحات بل اعباء اضافية على المواطن
الكاتب: الديار

ملّ اللبنانيون من الواقع اليومي الاسود ومن الشلل السياسي الذي سببه المسؤولون ومن الخلافات في ما بينهم على مصالح لا تعود للشعب اللبناني بأي مردود ايجابي، في ظل هذا الانهيار الكارثي الذي يطيح كل المؤسسات الواحدة تلو الاخرى ويحولها الى رماد. الدولار الاسود يرتفع، وغلاء فاحش للاسعار سواء للمواد الغذائية او الاستشفائية، فترخي بظلالها على قدرة المواطن اللبناني على الاستمرار في العيش في لبنان. وقد اصبح هذا الامر بالغ الصعوبة في وقت لا حلول جدية لمعالجة الازمة المالية والاقتصادية، ولا تواصل مع صندوق النقد الدولي والبنك لدولي، ولا اصلاحات جدية تؤدي الى اعادة الثقة بلبنان. اضف الى ذلك، هناك استمرار في سوء ادارة الشأن العام، بيد ان الدولة بحد ذاتها بدأت بالدفع باتجاه الدفع والقبض بالدولار، حيث تريد استحصال ضريبة على رواتب الناس بالدولار بنسبة 20%، مما يزيد الاعباء على المواطن اللبناني.

 

في غضون ذلك، تتواصل تداعيات الاشتباك السياسي الذي حصل بين التيار الوطني الحر وحزب الله على انعقاد جلسة حكومية للضرورة برئاسة نجيب ميقاتي، او الاثنين المشؤوم بالنسبة للتيار الوطني الحر حيث ان النفوس لم تهدأ وبخاصة من جهة النائب جبران باسيل، اذ ابدى استعدادا لتعريض تحالفه مع المقاومة الى اهتزاز كبير لاول مرة بهذا الشكل. والملفت ان التيار الوطني الحر قرر الذهاب الى بكركي لانه في مأزق، وفقا لمصادر مطلعة، بعد ان اعتبر ان استمرارية الرئيس ميشال عون ستكون من خلال النائب جبران باسيل، غير ان حزب الله لم يعتمد هذه المقاربة، وعليه، وقع الخلاف بين الوطني الحر والمقاومة.

وعندما لم يتبن حزب الله باسيل مرشحا لرئاسة الجمهورية، علما ان الاخير على ازمة ثقة مع كل الاحزاب، اتجه باسيل الى بكركي الذي يرى فيها مساحة ممكن ان تؤمن من خلال التواصل مع القوى السياسية الاخرى اختراقا كان متعذرا على باسيل. وبالتالي امام انسداد لعبة باسيل السياسية مع حزب الله، رأت المصادر المطلعة انه لم يبق امام جبران باسيل الا بكركي ممرا للخروج من مأزقه، لان القوى السياسية على غرار الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية والشارع السني التابع لسعد الحريري وايضا مع الكتائب، لا تريد التواصل مع باسيل.

 

ويذكر ان حزب الله اراد ايصال رسالة الى جبران باسيل ان هناك بدائل عنه من خلال دعوة المقاومة للقوات اللبنانية لانتخاب رئيس المرده سليمان فرنجيه رئيسا للجمهورية، فضلا عن انه اعلن ان لقاءً حصل مع الكتائب وعن اجتماع عقد بين لجنة بكركي ولجنة حزب الله، كما ان لقاءً جمع المقاومة بقائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون.

واليوم اراد النائب جبران باسيل، وفقا للمصادر المطلعة، ان يرد على رسائل حزب الله بالقول للمقاومة ان لديه ايضا بدائل وخيارات ممكن ان يلجأ اليها بدأها بجلسة الانتخاب من خلال التصويت الذي قام به تكتل لبنان القوي، فضلا عن زيارته لبكركي. ورسائل باسيل مفادها انه ايضا قادر على التخلي عن حزب الله اذا تخلى الحزب عنه.

 

في الوقت ذاته، تقول اوساط سياسية للديار ان باسيل رفع الصوت عاليا بوجه حزب الله لعدم اطالة الشغور الرئاسي، واعتبار الجلسة الحكومية للضرورة امرا عاديا سيتكرر اكثر من مرة في وقت يكون التيار الوطني الحر معزولا وخارج دائرة اتخاذ القرارات الاساسية للبلاد. وتابعت ان هواجس الوطني الحر تضاعفت بعد جلسة الاثنين الماضي فلجأ الى التصعيد والى التحذير من مغبة تجاهله في المشهد السياسي، اضافة الى امكان تراجع قدرته على التأثير في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

 

زيارة عون وباسيل الى بكركي

هذا وزار الرئيس السابق ميشال عون البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في الصرح البطريركي في بكركي يرافقه الوزير بيار رفول عند الخامسة من بعد ظهر امس.

وبعد اللقاء، تحدث الرئيس عون الى الإعلاميين بكلمة مقتضبة قال فيها: «الظرف يقتضي أن نودع البطريرك الوضع الحالي وما فيه من حقوق كثيرة غير مصونة وضرب للميثاق وللدستور. أكتفي بهذا القدر إذ يجب السكوت عن الكلام المباح لأن الأزمة كبيرة ولا يفيدها كثرة الكلام.»

واستقبل الراعي، رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي قال: «اطلعت البطريرك على تفاصيل ما حصل في جلسة الحكومة وخطورته وضخامته».

 

وأضاف باسيل «وبطبيعة الحال استكملت مع غبطته موضوع رئاسة الجمهورية وايجاد وسيلة لنصل الى مرشح يحظى بتأييد الثلثين او النصف زائدا واحدا في مجلس النواب. والاكيد ان هذا يتطلب اولا مشاركة كل اللبنانيين، ولكن هذا الموقع له رمزيته وتمثيله ومعناه، وبالتالي نحن مسؤولون. وطلبت من الراعي وكررت ضرورة بذل الجهود، ونحن منفتحون على الجميع على رغم ان هناك البعض غير منفتح ولا يمكننا اجباره، للاتفاق على كلمة واحدة ورأي وموقف واحد وعلى اسم او مجموعة أسماء لكي تسير هذه العملية وننتشل الوضع من الجمود. ونحن مستمرون في السعي داخليا وخارجيا من دون تعب».

 

الشغور الرئاسي: الى متى؟

وعلى صعيد الشغور الرئاسي، ووفقا لمصادر مطلعة، من المحتمل ان ينتهي في بداية الربيع في العام الجديد بما ان النواب التغييريين عددهم قليل وليس لديهم تأثير كبير في مجريات الاحداث، في حين ان الاحزاب التقليدية لا تزال تسيطر على البرلمان اللبناني. وبالتالي ليس خافيا تأثير الخارج في القوى السياسية، وعليه فان انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيكون بتسوية اقليمية – دولية ينفذها اللاعبون اللبنانيون.

وفي هذا السياق، تقول مصادر رفيعة المستوى للديار ان الاستحقاق الرئاسي هو مكون من طبقتين: طبقة داخلية واخرى خارجية. عندما يتعذر على الداخل القيام بالمطلوب منه تنتقل هذه الامور الى الخارج، علما انه ليس بالضرورة ان يكون الخارج قادرا على التأثير، وخير دليل على ذلك المبادرة الفرنسية حيث لم يتمكن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من احداث تغيير في لبنان.

وفي الوقت ذاته، يتمكن الخارج من التأثير في الواقع اللبناني اذا صب جهوده على غرار اتفاق ترسيم الحدود البحرية اللبنانية، نتيجة الارادة الاميركية تقاطعت والمصلحة الاوروبية مع ارادة حزب الله والايرانية وعليه تحقق الترسيم. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم حول الاستحقاق الرئاسي: متى يحصل تقاطع اميركي – ايراني لانتخاب رئيس جديد للجمهورية؟

 

قطر تدعم قائد الجيش

توازيا، كشفت مصادر وزارية ان فرنسا والولايات المتحدة لا تصب الجهود اللازمة لتسهيل تنفيذ الاستحقاق الرئاسي لاسباب متعددة بينما تؤدي قطر دورا بارزا على الساحة اللبنانية. وقد بات معلوما ان الدوحة تسعى الى وصول قائد الجيش العماد جوزف عون رئيسا للجمهورية، بعدما اختبرت العلاقة معه في المؤسسة العسكرية واصبحت تراه الشخصية التي تليق بالمرحلة المقبلة للبنان.

 

التيار الوطني الحر: لن نقبل الرجوع الى ما قبل 2005

من جهتها، اكدت مصادر الوطني الحر للديار ان مقاربته لجلسة حكومة تصريف الاعمال غير مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي، كما ان بيانه الذي انتقد فيه موقف حزب الله لا يعود لترشيح الاخير لسليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، علما ان المقاومة لم تعلن هذا الترشيح علنا ورسميا.

وعليه، قالت هذه المصادر «لم نعتبر ان هناك رسالة من حزب الله لنا في الموضوع الرئاسي، كما لم نرد في بياننا ايضا من هذا المنطلق الرئاسي الذي يروج له البعض». وشددت على ان كل ما في الامر ان الوطني الحر رأى ان الميثاقية والشركة والتوازن في الحكم تم المس بها، حيث يعتبر ان التيار الذي اعاد هذه المقومات عند عودة الجنرال ميشال عون عام 2005 بعد ان كان الحكم القائم في لبنان يرتكز على قوة كل الطوائف الا الطائفة المسيحية المستضعفة والمواطن المسيحي موجود فقط على الهوية، ولكن ليس له حضور سياسي. وعلى سبيل المثال، النواب الذين كانوا ينتخبون قبل عام 2005 لم يتمتعوا بحيثية في الوجدان المسيحي ولا قاعدة شعبية لهم في بيئتهم، بل نواب مسيحيون مستولدون لدى طوائف اخرى.

 

ولذلك بعد كل هذا النضال لسنين كثيرة، وبعد مساندة التيار الوطني الحر لحزب الله في مسألة حمايته وميثاقيته عند خروجه من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، فان هذه الحكومة اعتبرت انذاك مبتورة وغير ميثاقية بسبب خروج وزراء حزب الله، وقد أيد التيار الوطني الحر موقف المقاومة ووقف الى جانبها.

اما اليوم فيشعر تكتل لبنان القوي ان هناك محاولة للعودة الى ما قبل 2005، فضلا عن ان هناك نية للسطو على رئاسة الجمهورية وما تمثله من حضور ودور مسيحي، وبالتالي القضاء على الشركة. ولفتت المصادر الى ان هذا ما استفز التيار الوطني الحر وجعله يرفع الصوت ليقول لحزب الله ان المسألة ليست اشكالا بسيطا، بل هو عدم وقوف حزب الله كحليف الى جانب الوطني الحر في منع من يحاول ضرب موقع رئاسة الجمهورية والدفاع عن الوجود المسيحي الذي هو الاساس في المحافظة على وجود لبنان.

في الوقت ذاته، قالت المصادر انه رغم امتعاض التيار الوطني الحر فان الاتصالات جارية بينه وبين حزب الله، وصحيح ان نكسة حصلت، ولكن الطرفين حريصان على اتفاق مار مخائيل. وكشفت ان التيار الوطني الحر يتمنى على حزب الله ان يأخذ خطوة الى الوراء ويقوم بمراجعة لمواقفه لان هناك اقتناعا سائدا لدى الوطني الحر ان حزب الله يعمل بشكل منطقي اكثر.

 

وبالنسبة للبطريرك الراعي، كان لا بد من زيارة النائب جبران باسيل والرئيس عون لبكركي، لناحية موقف الراعي المعارض لجلسة حكومة تصريف الاعمال التي انعقدت وفقا لمصادر التيار الوطني الحر. واشارت الى ان باسيل اراد استمزاج رأي البطريرك لانه يعتبر ايضا ان الوجود المسيحي هو جزء من الوجود اللبناني الذي يريده متنوعا ومدنيا، ولكن ما دامت لعبة الطوائف لا تزال مستمرة فحتما سيتم التشارك مع بكركي.

 

القوات اللبنانية: باسيل غير جدي في دعوته للحوار

قالت مصادر القوات اللبنانية للديار ان الحوار قيمة اساسية، وهي حريصة على اتمام ذلك لان المجتمعات تنهض وتستقيم من خلال الحوار. ولكن بالنسبة للقوات فللحوار شروطه، اي ان يكون الفرقاء المتحاورون مع بعضهم لديها النية للوصول الى نتيجة، وعندما تنعدم هذه الشروط فهذا الامر ينعكس سلبا على الحوار ويصبح حوارا فولكلوريا دون جدوى.

ومن خلال التجربة، اعتبرت المصادر القواتية انه منذ عام 2006 الى اليوم كل الحوارات لم تصل الى نتيجة، ولم يطبق اي بنود من الحوار. وعلى سبيل المثال، تساءلت القوات اذا كان النائب جبران باسيل سيدعو للحوار لو ان حزب الله تبنى ترشيحه للرئاسة بدلا من سليمان فرنجيه؟

اما بالنسبة لدعوة الرئيس نبيه بري للحوار، فتعلن القوات موافقتها على الحوار حيث ان بري رئيس المؤسسة الدستورية، وهو مسؤول عن انتظامها، وبما ان المسالة انتخابية عليه ان يدعو رؤساء الكتل النيابية الى مكتبه من اجل النقاش والاستمرار والاصرار على عدم الخروج من المجلس النيابي.

 

النائب بلال عبدالله لـ«الديار»: نؤيد الحوار والمساحات المشتركة بين الافرقاء

بدوره، رأى النائب بلال عبدالله الذي ينتمي الى اللقاء الديموقراطي ان الانتقادات التي اوردها الوطني الحر في بيانه حول انعقاد جلسة لحكومة تصريف الاعمال لا علاقة لها بصلاحيات رئيس الجمهورية بل بالمعركة الرئاسية. واستغرب النائب عبدالله ان يلجأ التيار الوطني الحر الى التهديد باللامركزية والتقسيم من جراء جلسة حكومية واحدة، مشيرا الى انهم ضربوا اتفاق الطائف بعرض الحائط لمدة ست سنوات، والان باتوا حريصين على احترام الطائف؟!

وعن الدعوة للحوار، أكد النائب بلال عبدالله ان الحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديموقراطي يؤيدان الحوار، بخاصة ان هناك استعصاء في الاستحقاق الرئاسي، والبلد يتدمر والهجرة تزيد، ولذلك المصلحة الوطنية تقضي بحصول حوار بين الافرقاء، لافتا الى ان الوضع يحتاج الى مساحات مشتركة على غرار مجلس النواب الذي هو ساحة حوار مفتوحة.

 

نادر: هناك استمرار في سوء ادارة الشأن العام!

وعلى الصعيد الاقتصادي، قال الخبير الاقتصادي سامي نادر للديار ان الصورة قاتمة لان هناك جمودا تاما في الداخل، بخاصة على مستوى الاصلاحات، كما ان ارتفاع مستوى التضخم عالميا ينعكس سلبا على لبنان ويزيد الطين بلة، حيث ان فاتورة الاستيراد ترتفع بما ان التضخم من الدول التي يستورد منها لبنان يزداد ايضا. اما الفرق بين لبنان وباقي الدول فهو ان الاخيرة تاخذ احتياطات عديدة وتضع برنامجا وخططا لمواجهة التضخم، في حين ان الدولة اللبنانية تتفرج على الوضع، اذ ان الليرة تتدهور يوما بعد يوم، والامور تشير الى ان الليرة ستفقد قيمتها بالكامل في مرحلة قريبة. عندئذ، سيكون الدفع بالدولار. وعلى سبيل المثال، بدات الدولة منذ اللحظة باجبار المواطنين على الدفع بالدولار، فضلا عن انها تريد الضريبة من رواتب الناس بنسبة 20% بعملة الدولار، وهذا امر سلبي جدا، ناهيك بوضع الجامعات التي تفرض الدفع بـ «فريش دولار» بنسبة 20 % من الاقساط ، وكذلك الامر في المدارس.

 

هذه السياسة المالية التي تعتمدها الدولة اللبنانية، وفقا للخبير الاقتصادي سامي نادر، لن تبقي احدا في لبنان على هذه الاحوال وستدفع الى المزيد من هجرة اللبنانيين.

ورأى نادر ان لبنان ذاهب الى الاسوأ نتيجة قلة ادراك واستمرار في سوء الادارة وجشع في مقاربة الشأن العام، حيث لا توجد مقاربة ايجابية للعمال بل مزيد من الاعباء.