Beirut weather 15.41 ° C
تاريخ النشر February 18, 2025
A A A
لقاء عون مع نقابة المحررين: إنطباعات وقراءات
الكاتب: جوزف القصيفي

 

كتب جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة في “الجمهورية”

بدا رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بكامل حيويته لدى استقباله مجلس نقابة المحررين، بَشوشاً، ولم تَبدُ على وجهه إمارات الانزعاج من أسئلة محرجة طُرِحت عليه، فأجاب عليها بصراحة وشفافية، وبلا محاباة، أو انتقاد لأحد.
لم يوجّه الرئيس عون رسالة إلى أي طرف، بل خاطب اللبنانيّين من خلال النقابة، وكان حريصاً على عدم تقديم حساب لأحد إلّا للشعب الذي ينتظر منه تحقيق مضامين خطاب القَسَم وعناوينه.

 

وبمقدار ما كان عون مرتاحاً إلى نتائج اجتماعه مع السفراء أعضاء «اللجنة الخماسية»، وما أكّدوه من التزام حيال موضوع إعادة إعمار لبنان ومساعدته، وربط التزامهم ومساعدتهم بتحقيق الإصلاحات المطلوبة، لم يُخفِ بالمقدار نفسه التشكيك بنيّات إسرائيل في احترام قرار وقف إطلاق النار وانسحابها اليوم من القرى والبلدات التي تحتلها، كما لم يَكتم الخَوف من استمرار رفضها الانسحاب بذرائع شتى، داعياً إلى مواجهة موقف تل أبيب العدائي بوحدة الصف الداخلي.

 

وكان عون جازماً بأنّ سلاح «حزب الله» يُبحَث بعد انسحاب إسرائيل وفي إطار حَل لبناني. ولم يتوسع في إيراد طبيعة هذا الحل وعبر أي وسيلة، وهل يكون ذلك بمفاوضات بين الدولة والحزب، أو في سياق مؤتمر وطني تُبحَث فيه المواضيع الرئيسة والعناوين الخلافية والإشكالية بما فيها الاستراتيجية الدفاعية وسلاح «حزب الله».

وبعد الانتهاء من الحديث والأسئلة التي طرحها أعضاء مجلس النقابة، استشهد رئيس الجمهورية بكلام للإمام المُغيَّب السيد موسى الصدر عن الجنوب ومسؤولية اللبنانيِّين بكل فئاتهم تجاهه، وإصراره على أنّ الجنوب وحمايته ليست مسؤولية لبنانية فحسب، بل وعربية أيضاً.

 

ولا يكتفي عون باستبعاد أي فتنة طائفية داخلية، بل يؤكد أنّ ليس هناك فتنة من هذا القبيل. وأنّ الجيش اللبناني تخطّى مقولة الإنقسام، وهو مُوَحّد أكثر من أي وقتٍ مضى، ولا يُمكن المراهنة على قِسمته. خصوصاً أنّ الأخطار لا يواجهها في الجنوب فحسب، بل على الحدود الشرقية.

 

نقرأ في قسمات وجه رئيس الجمهورية الطمأنينة، وكأنّه واثق من أنّ كل الأحداث التي وقعت منذ تسلّمه مقاليد الرئاسة الأولى، هي أحداث عابرة لن تقف في وجه ما اعتزم القيام به من خطوات لتنفيذ خطاب القَسَم، وتسيير عجلة الدولة.

ولا يَضيق الرئيس عون ذرعاً بأسئلة الزميلات والزملاء، على رغم من الوقت المُحدّد لاستقبال مجلس النقابة، فيُجيب بصراحة، وبلا قفازات بأسلوبه المباشر، فلا حاجة إلى مزيد من الاستفسارات لتتضح أمامك الصورة واضحة ولا مجال للاجتهاد. وإذا عمدت إلى تشريح موقفه، فتجد نفسك أمام الآتي:

أ- إصرار على سيادة الدولة على أراضيها كافة واستردادها كاملة، والتصدّي للخطر الماثل على طول حدود لبنان جنوباً، شرقاً وشمالاً، وذلك بالوسائل الديبلوماسية والسياسية.

ب- إصراره على السلم الأهلي وحمايته بكل الوسائل المتاحة.

ج- إجتنابه السير في ما تُخطّط له إسرائيل من أجل الدفع نحو صدام داخلي خصوصاً بين الجيش و»حزب الله»، ولذلك ربط مسألة سلاح الحزب بحلول لبنانية بعيداً من أي محاولة تحريض للاستدراج إلى صدام لا يُريده أحد.

د- إحترامه الكبير لحرّية الصحافة والإعلاميّين، ولكنّه دعا في الوقت نفسه إلى أن لا يكون الإعلام اللبناني منصة للإساءة إلى الدول الشقيقة والصديقة ونافخاً في بوق الفتنة الطائفية وألّا يتخطّى الأمن القومي. وكان لافتاً استذكاره القول: «الرصاصة الخطأ تقتل شخصاً، أمّا الكلمة الخطأ فتقتل أمّة».

هـ- يتشارك مع المجتمع الدولي والدول الشقيقة والصديقة في ربط المساعدات والإعمار والإصلاح.

و- مع تأييده لتحديث القوانين ومبدأ استقلالية القضاء، فهو يعطي الأولوية لشخص القاضي أو الموظف وسلوكه، لأنّ ذلك هو شرط أساس لسَير القضاء والإدارة، أياً تكن جودة القوانين.

 

كان الرئيس عون في اللقاء حريصاً على إشاعة أجواء التفاؤل، ليس لأنّه تفاؤلي الطبع فحسب، بل لأنّ لديه من المعطيات المعطوفة على قراءة متأنية بأنّ الأوضاع تسير نحو الأفضل، ولو استغرق ذلك وقتاً إضافياً، لأنّ المشهد قد لا يخلو من مفاجآت غير محسوبة، لكنّ أحداً في نهاية المطاف لن يستطيع الوقوف طويلاً أمام حتمية الانتقال من حال إلى حال، تحمل معها الخواتيم التي يرتاح اللبنانيّون إليها.