Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر October 17, 2025
A A A
حرفة النحاس… بريق يبهت لا تسمحوا له ان ينطفىء!
الكاتب: حسناء سعادة - موقع المرده

 

في زوايا الأسواق القديمة في طرابلس وتحديداً في تلك الأزقّة الضيّقة التي تعبق برائحة التاريخ، لا يزال صدى المطرقة على النحاس يتردّد ولو خافتاً.

هو صوت الماضي الجميل، حيث كان الحرفيون يحوّلون المعدن البارد إلى قطع فنية تنبض بالحياة، وحيث كانت حرفة النحاس يوماً مفخرة فيما باتت اليوم مهدّدة بالانقراض وقلة ما زالت تحترفها في طرابلس رغم ان هناك سوقاً يحمل اسم سوق النحاسين ما يشي بان هذه الحرفة كانت لها مكانتها في الماضي.

 

كان “النحّاس” صانعاً وفناناً في آن واحد، كان ينقش الزخارف على الأواني والصواني والمباخر والفوانيس، محولاً النحاس إلى تحف فنية تتوارثها الاجيال فيما هو ايضاً توارث اتقانها عن اسلافه.، مع الايام تغير الحال فالمحال التي كانت تضجّ بالزوار خفّ روادها، وعدد الحرفيين تقلّص إلى أصابع اليد حيث غزت المنتجات المستوردة الأسواق بأسعار زهيدة، وسط غياب للدعم الرسمي وابتعاد الأجيال الجديدة عن المهن اليدوية، ما يهدد هذه الحرفة بالاندثار.

لكن رغم كل ذلك، لا يزال بعض الحرفيين يقاومون بصمت، كحال محمد الذي يتربع في محله في طرابلس مركزاً على قطعة نحاس يدقها بمسمار، وبيديه القويتين يواصل العمل بشغف، مؤكداً ان هذه الحرفة جزء منه وانه توارثها عن جده ووالده ولن يتخلى عنها وسيحاول تعليمها لاولاده.

وعن المردود المادي يؤكد محمد ان من يعمل بيديه لا يزال، رغم الظروف الصعبة، بامكانه تأمين قوت يومه ومصاريف معيشته لافتاً الى ان هذه الحرفة يغيب عنها الدعم الرسمي كي تستمر وتزدهر، كاشفاً ان عدد النحاسين الى تراجع، معتبراً انه لا يمكن الاستمرار اذا لم تكن هناك سياسات داعمة وبرامج تعليمية ومهرجانات تروّج لهذا الفن التراثي.

 

حرفة النحاس ليست مجرد ماض جميل، بل تراث يجب أن يُصان لان بريق النحاس، وإن خفت، لا يزال يعكس ابداع ممتهني صنعته والايادي الماهرة التي تتقن تطويعه.