Beirut weather 22.03 ° C
تاريخ النشر May 9, 2025
A A A
تصعيد نتنياهو: نفاد الوقت
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

دائماً كانت نسبة رئيسية من قوة «إسرائيل» مستمدّة من علاقتها المميزة بأميركا، ودائماً كان مصدر رئيسيّ من مصادر قدرتها على خوض الحروب من خارج القانون الدولي والتجرؤ في التمرد عليه، عائد إلى حجم التغطية التي توفرها واشنطن لتل أبيب، لكن منذ طوفان الأقصى و»إسرائيل» آخذة في التحوّل الى محمية أميركية، وقد بلغت مرحلة حرجة في تموز 2024 فرض على رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو أن يخاطب الأميركيين للمرة الأولى باللغة التراجيدية متحدثاً عن فرضية الهزيمة علناً مضيفاً إن هزمنا هزمتم، ويأتيه التجاوب الأميركي الكبير مبنياً على القناعة بأن تراجع «إسرائيل» في المنطقة هو حكماً تراجع في الحضور الأميركي، وجاءت الحزمة القاتلة التي أصابت قوى المقاومة خصوصاً في لبنان تحمل البصمة الأميركية بين نهاية تموز 2024 ونهاية أيلول 2024، لتخرج «إسرائيل» من عنق الزجاجة وتتيح لها استعادة زمام المبادرة.

كانت اتفاقات وقف إطلاق النار على جبهات لبنان وغزة برعاية أميركية تعبيراً عن تثبيت رفع التهديد عن «إسرائيل»، سواء عبر إبعاد حزب الله عن الحدود، أو من خلال تجريد حركة حماس من القدرات التي تمكنها من تنظيم طوفان ثانٍ، وجاء التغيير الذي رعته واشنطن في سورية ليمنح «إسرائيل» بيئة جيوستراتيجية لا تهديد راهن فيها، لكن حجم ما تركه الطوفان من جهة وجبهة الإسناد اللبنانية من جهة مقابلة تكفّل بتصدّع داخلي في كيان الاحتلال أفقده التوازن والحيوية والثقة، فلم يعُد المستوطنون إلى شمال فلسطين المحتلة، ولم يعُد الإقبال على التطوع في الجيش والاستجابة لدعوات الاحتياط كما في السابق، فقد سقطت قدرة الجيش على الحماية وتزعزعت الثقة بقدرة الكيان على البقاء، لأن ما جرى قابل للتكرار ولو بعد سنوات، لكن عندها قد لا تبقى «إسرائيل»، ما جعل بنيامين نتنياهو وحلفاءه القلقين على مستقبلهم السياسي والشخصي ومستقبل مشروعهم السياسي التوسعيّ الذي لا يجد مكاناً لحل سياسيّ للقضية الفلسطينية، يخافون من أن تتحوّل تداعيات أي نهاية للحرب يبقى معها سلاح المقاومة إلى مسار دراماتيكي وجودي للكيان، بحيث صار نزع سلاح المقاومتين اللبنانية والفلسطينية شرطاً وجودياً للكيان كما لحكومة نتنياهو، وهو هدف فوق طاقة الحكومة والجيش في الكيان دون مساندة أميركية كاملة.

كان الانخراط المباشر لإدارة ترامب بحملة عسكرية شاملة ضد اليمن هو الاختبار لفرضية سعي نتنياهو للنصر الذي يريد، بينما قدّمت واشنطن الدعم السياسي اللازم لنتنياهو للتملص من كل موجبات اتفاقي لبنان وغزة واعتماد تفسيرات تتيح هذا التملّص، لكن كما يبدو بوضوح فإن انسحاب واشنطن الأحادي من هذه الحرب، يعلن نهاية هذه المرحلة، لأن واشنطن التي وجدت أنها عاجزة عن كسر إرادة اليمن من جهة، ومعرضة لمخاطر تلقي خسائر لا تحتمل من جهة مقابلة، كان عليها الاختيار بين الانسحاب الأحادي من الحرب أو التورط بحرب كبرى تلبي رغبة نتنياهو بحرب مع إيران، وجاء قرار الانسحاب مكمّلاً لقرار بدء التفاوض مع إيران بشروط تناسب ما تقبل إيران اعتباره إطاراً مناسباً للوصول إلى اتفاق، دون مراعاة الحسابات الإسرائيلية، بحيث يمكن القول بثقة إن حرب نتنياهو من هذا التاريخ لم تعُد حرباً أميركية إسرائيلية، بل هي حرب إسرائيلية، تلتزم أميركا فيها بتقديم المال والسلاح والحماية السياسية، لكنها لن تنخرط فيها بعد الآن.

يعرف نتنياهو أن هذا التحوّل يعني أمرين، الأول أن الوقت ينفد وأن عليه التحرّك بسرعة لمحاولة فرض وقائع جديدة على الأقل في الجبهات التي لا تدفع واشنطن لرفع الكارت الأحمر، كما في حال توجيه ضربات لإيران، والأمر الثاني أن مسار اليمن والمفاوضات النوويّة لن يتأخّرا عن إنتاج مناخات التهدئة في المنطقة، وطبيعيّ أن يكون لها تداعياتها، بخلق بيئة خليجية إيرانية إيجابية، وخلق حصار على مناخات الحرب في غزة ولبنان، وفي قلب هذا التسارع رفع نتنياهو وتيرة التصعيد في لبنان وغزة، وهو يعلم أن لا أمل بتحقيق إنجاز عسكريّ، بل الهدف هو زيادة الضغوط بالنار لخلق تداعيات سياسية يأمل بأن تنجح من جهة، بتفعيل الدعوات لنزع سلاح المقاومة في لبنان، ونقلها من جماعات محدودة معادية للمقاومة إلى مناخ رسمي يُهيمن على قرار الدولة، التي لا تزال تحمّل «إسرائيل» مسؤولية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، وتقول إن قضية السلاح مؤجلة لما بعد تنفيذ «إسرائيل» التزاماتها، ومن جهة مقابلة تفعيل مناخ عربي وفلسطيني يسمح بجعل إلقاء حماس لسلاحها شرطاً مقبولاً لوقف الحرب.

العقدة التي تعترض طريق الحراك الإسرائيلي، هي أن المقاومة لا تزال قوية كفاية لمنع التفكير بنزع سلاحها بالقوة في لبنان وغزة، وبالتوازي فإن بديل السلاح كما تقول تجربة سورية الجديدة وتجربة السلطة الفلسطينية منذ اتفاقات أوسلو، هو التعرّض لسلسلة من المطالب والشروط الإسرائيلية التي لا تنتهي إلا بالاستسلام والإذلال، فليس لدى الكيان مشروع حل سياسيّ يحفظ للفلسطينيين واللبنانيين والسوريين إذا تركوا سلاحهم شعوراً بالكرامة الوطنية، بينما تعني شعبياً تعريض المواطنين حيث ينزع السلاح لمخاطر تكرار نموذج صبرا وشاتيلا بعد انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، رغم الضمانات الأميركية بحفظ أمن المخيمات والفلسطينيين فيها.