Beirut weather 29.41 ° C
تاريخ النشر June 13, 2025
A A A
إهدن.. حين بكت الجبال
الكاتب: سركيس كرم - موقع المرده

كان الثالث عشر من حزيران 1978 يوماً عادياً لنا في غربتنا، حتى صدمنا الخبر كصاعقة: إهدن غُدرت.. اهدن نزفت.
اهدن العرين، استُهدفت في ليلها، في سكونها، في صلاة من تواجد فيها من أهلها، فاستيقظت مفجوعة على أبناء عرفتهم أطفالاً وشيوخاً ومحاربين في ساحات الشرف، لا ضحايا استشهدوا على الطرقات في كمائن الظلام وفي ردهات البيوت فيما كانوا نياماً.
لم يكن ما حدث مجرّد جريمة، بل كسراً لصدى أجراس الكنائس، وطعناً بعرين الموارنة.
في تلك الليلة التي سبقت ذلك الفجر الدامس، كانت إهدن تغفو على سفح الجبل، تلفّها رائحة البخور، يغمرها سكون العتمة ويسهر القمر فوق قبب كنائسها وقرميد بيوتها، لم تكن تتوقع ان يأتيها الغدر بخطى الليل.
لكن الغدر فعلها وتسلل في ذلك الصباح المشؤوم من بين الأشجار، من وراء الصخور، من جنب جدران الكنائس ومن تحت صلبانها، لا من خطوط النار.
استشهد الزعيم طوني فرنجيه، في عز حضوره وعطائه، قائداً وسياسياً حمل البندقية طوال “حرب السنتين” حين كان لا بد من الدفاع عن الأرض والكرامة.
استشهدت معه زوجته، طفلته الملاك جيهان، ونخبة من رفاق دربه..
إهدن لم تكن يومها جبهة عسكرية محصنة، لم يكن فيها سوى بعض الطلاب، وبعض المحبين للجرد، وأولئك الذين يجدون فيها الراحة من عناء الساحل وضجيجه… فدخلها الموت خلسة، وأقتنص رصاص الكمائن خيرة شبابها، وبكت الجبال ..
قبلها، في حرب السنتين، حين توحّدت البنادق، صمد الوجود.
لكن حين أتت المؤامرة انهارت الحكاية، وبدأ الحقد يُمسك بقلم التاريخ، ليسجل وصمة عار لا تليق قطعاً بتاريخ الموارنة، ولا تمت الى تعاليم المسيح بصلة.
بعد 47 سنة، تترسخ الفكرة أكثر.. المجزرة لم تكن ضد أفراد بقدر ما كانت ضد وحدةٍ تشقّقت، ومصير مسيحيّ ما زال يدفع الثمن.
ورغم أن الغفران قد قيل، واللقاءات قد تمّت، إلا أن الوجع ما زال مقيمًا في القلب والذاكرة، تحركه سياسات تتشبث بمصالح ضيقة وشعارات شعبوية لا تأخذ مصير الوجود المسيحي برمته بعين الإعتبار.
ولا تعترف ان التشرذم أضعفنا والإقتتال هزمنا، وانه لا بد من تغيير الاسلوب والخطاب لردم الهوة وتقريب القلوب.. وكم يكون عظيماً لنا كمسيحيين ان نقتدي بوجدانية سليمان طوني فرنجيه الذي طوى صفحة الماضي الأليم وسامح بحسب تعاليم المسيح، لكي نتجاوز معاً الأحقاد بإيمان لا تكسره الصراعات على النفوذ والمواقع والمقاعد والحصص، ولكي لا يأتي، لا سمح الله، زمن يغرق فيه القارب بالجميع من دون استثناء..
رحم الرب الشهداء الأبرار ولتكن ذكراهم صلاة لا تنتهي..