Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر July 26, 2016
A A A
مراجعة حسابات في عرسال على وقع “حظر التجوّل”
الكاتب: زينب زعيتر - البلد

ستكون عرسال اليوم امام مواجهة جديدة، تُضاف الى سلسلة المواجهات الامنية التي تعيشها، بعد قرارها فرض منع تجول النازحين السوريين منذ يوم امس.

لم تنم عرسال على حرير بعد، فكيف يكون لها ذلك وهي البلدة المحاصرة بمجاورة ارهابيين، لم يحن بعد موعد الاقتصاص منهم لمنع تسللهم وتحكمهم بأمن البلدة، طالما انّ قراراً بانتشار الجيش بشكل دائم لم يُتخذ بعد. فاطلالات القوى الامنية الخجولة لم تحل دون بقاء عرسال ضمن دائرة المواجهة الامنية المفتوحة على امتداد السنوات التي رافقت النزوح السوري اليها وخصوصاً مع غزوة البلدة واحتجاز العسكريين اللبنانيين لدى المجموعات المسلحة، حيث تتزامن الذكرى الثانية لها مع بداية شهر آب المقبل.

تهجير العراسلة
تمرّدت عرسال على الثوب الذي اتخذته بداية الاحداث السورية، لتعيش على وقع تطور دراماتيكي مأسوي، أدى الى وقوع ضحايا بالمئات، اضافة الى محاصرة البلدة من قبل الارهابيين، وتهجير عدد كبير من سكانها، الى ما هنالك من ارتدادات سلبية على مستوى الحالة الاقتصادية. وإذ شكل اختطاف العسكريين في آب قبل سنتين النقطة المفصلية لتطور الامور نحو الاسوأ، فانّ الاحداث التي تلت لغاية الانتخابات البلدية شكلت حالة خاصة، افرزت صورة لواقع بلدة عرسال الحقيقي المنفتح على خيار الاحتكام الى الجيش اولاً، ومعاداة كل الظواهر الشاذة التي طبعت البلدة بإطار مؤيد للجماعات المسلحة. بالامس، اسدلت عرسال ستارها ليلاً على تجول السوريين، باستثناء هؤلاء الذين حصلوا وسيحصلون على تراخيص خاصة من البلدية تسمح لهم بالتنقل في البلدة من الساعة العاشرة مساءً ولغاية السابعة صباحاً، فالهدف من منع التجول ليلاً لم يكن موجهاً ضد أحد، ولا يمثل تحدياً لاعداد السوريين الكبيرة التي تناهز تقريباً السكان الاصليين، كما يؤكد رئيس البلدية باسل الحجيري في اتصال مع “البلد”.

منع التجول
وبحسب الحجيري فانّ قرار منع التجول، لاقى الكثير من الترحيب سواء من قبل العراسلة او حتى السوريين الذين ينشدون الراحة والامان المفقود منذ سنوات في البلدة. ويدخل قرار منع التجول الذي بدأ تنفيذه ليل امس، ضمن اولويات تنظيم الأمن الذاتي في عرسال وخصوصاً بعد سلسلة الاحداث الامنية التي ضربت البلدة، وليس آخرها اصدار لائحة “اغتيالات” باسماء تنوي المجموعات الارهابية “تصفيتها”، اضافة الى محاولة اغتيال المختار محمد علولي الذي لا يزال يقبع في مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك.

بالنسبة الى كثيرين فانّ عرسال اليوم تدفع الثمن مجدداً، هذه المرة تحت عنوان “الاعتدال” الذي فرضه المجلس البلدي الجديد برئاسة الحجيري، تزامناً مع عدم استجابة الدولة اللبنانية لنداءات العراسلة الذين ملوا المناشدة من أجل التصويب بحيث الاتجاه الصحيح، عبر التواجد الامني بشكل دائم، وليس عن طريق “الكزدورة”. وقرار منع التجول سيكون دونه الكثير من التداعيات في بلد يعج بالنازحين، على أن يكون ذلك رهناً بالايام المقبلة للوقوف على تداعيات المسألة امنياً وخصوصاً من ناحية التجاوب والالتزام بالقرار.

القوة الامنية
بالنسبة الى العراسلة فانّ تواجد القوة الامنية بالحالة التي تفرضها مؤخراً ليس كافياً، “فالامن ما بيصير بعرسال الاّ لترجع فصيلة الدرك”، يتساءل مواطنون، منزعجون من المعلومات التي تصل الى كثيرين عن موعد مداهمات الجيش قبل نزولهم الى البلدة. يتفق كثيرون على هذه المقاربة انطلاقاً من فكرة تتمحور حول عودة مؤسسات الدولة الى قلب عرسال، والاّ فلا ضمانة سوى لمزيد من التفلت الأمني.

مراجعة الحسابات
احاديث كثيرة يتداولها ابناء عرسال، اولها ارتباطات الامن العرسالي بالاحداث الحاصلة على مستوى الدول العربية، وربط حساسية الوضع بعنوان مفصلي “عرسال البلدة السنية التي لا يجب المساس بها”. وكل ما سبق ليس بجديد على عرسال، وانما اليوم فابناء البلدة على موعد مع انتهاء مرحلة مراجعة الحسابات التي فرضتها الانتخابات البلدية، مع ما يعني ذلك من امكانية عودة السيناريوهات الامنية القديمة الى البلدة، وعلى رأسها احداث امنية تخريبية وارهابية.

وفي ما يتعلق بلائحة الاغتيالات التي يجرى التداول فيها مؤخراً وتستهدف شخصيات عرسالية “معتدلة”، فتؤكد المعلومات انّها قديمة وذات شقين: الاول سياسي يهدف الى محاولة السيطرة وكم الافواه، والآخر يرتبط بالصراعات الانتهازية القائمة على التهريب وتجارة المخدرات، والتي يهمها ان تبقى الحدود متفلتة من اي ضوابط امنية.

مستوى المعالجة
وتبقى الامور المقبلة مرهونة بالتنفيذ على مستوى معالجة ملف النازحين السوريين، “فالقرار سهل التطبيق، ولكن دونه تداعيات كثيرة ومضاعفات على اكثر من مستوى”، كما يؤكد مصدر امني مطلع، “فالمعالجة يجب ان تبدأ من مراحل اولية لا يمكن تجاهلها، أقلّه ان يتم منع تجول السيارات ذات الزجاج الداكن (الفيميه)”.

فمن بيده الامن في الشارع اليوم في عرسال، ومن لا يدخل في مصلحته النهج الاعتدالي الذي تبرزه عرسال مؤخراً، وهل ستبقى عرسال الجرح النازف على مستوى كل الوطن؟. بحسب رئيس البلدية باسل الحجيري فانّه “ثمة كُثر ممن يرفضون النهج الجديد في عرسال، وقد يكون لديهم حسابات خاصة، ومن اختار انّ يسير في العتمة فهذا شأنه امّا نحن فاخترنا الطريق الصحيح والعلاقة السليمة مع المحيط”. ويتابع، “عندما نقول نريد الدولة في عرسال، فهذا يأتي من باب التشبه بغيرنا من المناطق ليس اكثر، فنحن بلدية اي مؤسسة انمائية، ولا يمكن لنا ان نتدخل بالشأن الامني، لذلك نطالب المعنيين بتحمل مسؤولياتهم”.

انتشار الجيش
وعن الآلية التي يطالب بها الحجيري اي انتشار الجيش، وهي المسألة الوحيدة التي تشكل خشبة خلاص لعرسال، يعلّق، “نحن لا نطالب بانتشار دائم، ولا يمكن لنا ان نحدد اصلاً طبيعة العمل الامني، فهذا يأتي من صلب اختصاص اهل المعرفة والامن الذين باستطاعتهم تقدير الامور. ونحن نؤكد كما أكدنا سابقاً اننا سنقف الى جانبهم مهما كانت الظروف”.

فهل تدفع عرسال اليوم ثمن هذه الخطاب؟، يجيب الحجيري، “تثبت عرسال للجميع بانّها اهل للاعتدال ونحن نصر على ابراز الصورة الحقيقية للبلدة، كما نصر على السير قدماً متبعين هذا النهج، وهذه حال معظم العراسلة… فلو دفعنا الثمن لن نكون نادمين”. امّا في المسألة المرتبطة بلائحة الاغتيالات التي يرد اسم الحجيري فيها اضافة الى آخرين، فيشير رئيس البلدية الى شكوك كثيرة، “لا يمكن التعاطي مع المسألة باستهزاء ونتخذ كامل احتياطاتنا من اجل تفادي وقوع اصابات، ولكن لا يمكن ان نتجاهل هؤلاء الذين من مصلحتهم الترويج لهكذا نوع من الاخبار من اجل الضغط علينا”.