Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر December 9, 2016
A A A
هل تُخطئ 8 آذار بتنازلها عن الثلث الضامن؟
الكاتب: محمد حمية - البناء

لا يمكن القول إنّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي صناعة محلية محض، كما من الظلم بمكان ما اعتبار انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية تنفيذاً لأوامر أو اتفاقات خارجية، لكن لا يختلف اثنان على أنّ التحوّلات الاستراتيجية في الإقليم، خصوصاً خلال العامين المنصرمين فرضت تعديل المواقف والتموضعات الجديدة وأحدثت موازين قوى لصالح محور المقاومة لا سيما في سورية والعراق واليمن انعكست على الساحة الداخلية.

من خلال استعراض مقتضب لبعض الأحداث والمواقف السياسية المحلية إبان الأعوام القليلة الماضية يظهر بوضوح أنّ انتخاب عون رئيساً للجمهورية لم يأت بصحوة وطنية لدى أقطاب 14 آذار، إنما بعد دراسة معمّقة ودقيقة لموازين القوى المحلية والإقليمية والدولية عقب انسداد الأبواب في وجه الرئيس سعد الحريري وسقوط رهاناته بخلع الرئيس بشار الأسد، على غرار ما حصل في دول عربية أخرى وبعودة حزب الله مهزوماً من سورية، ولطالما كرّر مقولة إنه «لن يعود إلى لبنان إلا من مطار دمشق»، بينما انتظر النائب وليد جنبلاط طويلاً على ضفة النهر ليشاهد جثة خصمه تمرّ من أمامه، وتمسّك رئيس «القوات» سمير جعجع بمعزوفة أنّ «الأسد لن يبقى في الحكم»، فضلاً عن تصريحات نواب ومسؤولي 14 آذار باستحالة القبول بمرشح حزب الله للرئاسة.

تمسك رئيس «التيار الأزرق» بترشيح حليفه جعجع للرئاسة نحو عام ونصف العام، لكن بعد التدرّج المتتالي في انتصارات الجيش السوري وقوى المقاومة من تأمين وتحصين دمشق إلى تحرير القصيْر والقلمون ويبرود والزبداني وتدمر، والآن استعادة حلب وغيرها من الجبهات والمناطق المحصنة التي تهاوت، انخفضت سقوف الحريري المرتفعة من ترشيح جعجع الى الرئيس الوسطي ثم الوزير سليمان فرنجية ليستقرّ عند دعم ترشيح العماد عون.

انشغال السعودية بالتداعيات المالية والسياسية لهزيمتها في اليمن، وانكفائها عن تقديم الدعم لحلفائها المحليين، وتوقيع الاتفاق النووي الإيراني، والدخول الروسي في الحرب السورية وتفاهمات موسكو -واشنطن على ملفات عدة، وتراجع المشروع التركي في المنطقة، ودخول الولايات المتحدة في المرحلة الانتقالية، عوامل ساهمت بدفع الحريري الى انتخاب مرشح حزب الله.

لكن السؤال الذي يطرح في صالونات 8 آذار، كيف تحوّلت كلّ هذه الخسائر الفادحة للحريري وجعجع والهزائم العسكرية في معسكر حلفائهما الإقليميين الى نصر في الداخل وبات الحريري منقذ الجمهورية ويُكلَّف لتأليف الحكومة بينما بدا جعجع كصانع الرئيس وشريك العهد بلا منازع وفي توزيع الحقائب، ويرفع «الفيتوات» في وجه الرئيس نبيه بري، الواجهة السياسية لفريق 8 آذار، ويحاول إقصاء فرنجية حليف المقاومة عن التركيبة الحكومية. ألا يساهم التيار الوطني الحر شريك فرنجية في الخيارات الاستراتيجية من حيث يدري أو لا يدري بضرب موقعه لصالح «القوات» التي ساهمت بمنع وصول عون الى الرئاسة منذ العام 2008 ورمت «التيار» بأقصى الاتهامات؟ وهل يخطئ فريق 8 آذار بتنازله عن الثلث الضامن في وقت أظهرت مفاوضات تشكيل الحكومة أنّ تأخير ولادتها يتجاوز الصراع على الحقائب، بل يكمن في مَن يمسك بناصية القرار السياسي في مجلس الوزراء؟

لا شك في أنّ موافقة حزب الله على رئاسة الحريري الضعيف للحكومة العتيدة كان تضحية سياسية كبرى لصالح الوطن ولقطع الطريق على الفتنة وتمدّد التيار السني المتطرف واعترف الحريري بذلك، ولو أنكره علناً عندما همس في أذن النائب محمد رعد في المشاورات النيابية قائلاً: «كيف السيد سلّمولي عليه»، لكن لماذا على اللبنانيين أن ينسوا سياسات ومواقف الحريري وتياره التي أثارت النعرات المذهبية والطائفية وشرّعت البلاد أمام الإرهابيين وضربت معنويات الجيش وقتل ضباطه وجنوده وأسر آخرين وحرمانه الدعم العسكري؟

رغم الثقة التي توليها 8 آذار للرئيس عون، لكن تخطئ إن لم تنل الثلث في الحكومة، كما تخطئ في حال سمحت بتسرّب الثلث لثنائي «المستقبل» «القوات»، فكيف لحزبين أن ينالا الثلث بينما ستة أحزاب مكوّنة لـ 8 آذار لا تنال الثلث أيضاً؟ في حين أنّ نواب «القوات» الثلاثة في زحلة أتوا بأصوات السنة، والنائب جورج عدوان أتى بأصوات الدروز في الشوف، علماً أنه لو أجريت انتخابات على القانون النسبي لا تحصد القوات أكثر من نائبين في بشري ويحافظ فرنجية بتحالف العائلات في زغرتا على كتلة من ثلاثة نواب، وبالتالي يجب أن ينال 3 وزراء «مردة» ووزير حليف اسوة بـ»القوات» التي نالت 3 وزراء وآخر حليف هو ميشال فرعون.

لا شك في أنّ الحكومة المقبلة ستواجه قرارات عدة تتعلق بمستقبل لبنان وخياراته الاستراتيجية ما يفرض نيل 8 آذار الثلث بمعزل عن حصة العونيين ورئيس الجمهورية الذي لا يمكن أن يحمل تبعات أيّ تصويت على القرارات الكبرى في مجلس الوزراء، بل على 8 آذار الدفاع عن خياراتها بنفسها، لا سيما إزاء أزمة النزوح والتنظيمات الإرهابية على الحدود والعلاقة مع سورية وقانون الانتخاب. فما الذي يمنع أن يعطّل ثنائي «القوات» ــ «المستقبل» قراراً في مجلس الوزراء لعودة النازحين الى بلدهم والتنسيق مع الدولة السورية، أو قراراً بتكليف الجيش حملة عسكرية واسعة لتطهير الحدود من الإرهابيين، أو إقرار قانون انتخاب يعتمد النسبية وهو الوحيد القادر على تغيير التوازنات في المجلس النيابي وتحقيق العدالة التمثيلية؟